الفساد في أول الأمر يخرج على الناس بالبشت كي تهابه الناس، ثم يأخذ راحته مع مرور الأيام فيخرج عليهم بالسروال والفانيلة!، هذه هي المعادلة التي لا يمكن الهروب منها، فالفساد الأكبر ينجب فسادا أصغر لا يعلم عنه، والأصغر ينجب أصغر منه.. وهكذا ينتشر ويتكامل ويتشابك حتى يصبح التخلص من أي عملية فاسدة مسألة تخل بالتوازن البيئي!. قبل عدة أيام، صدر قرار من وزير الشؤون الاجتماعية بإعفاء مدير التأهيل الشامل بمنطقة نجران إثر قيامه بتحويل مقر الضيافة الحكومي إلى سكن له ولعائلته، وهذه القصة ــ بحد ذاتها ــ تحتاج إلى جلسة شاي مطولة لتأمل درجة استهتار بعض المسؤولين بالأنظمة والقوانين، لولا أن الرئيس السابق لنادي الأخدود في نجران صرح أمس في جريدة الوطن، متهما مدير مكتب رعاية الشباب بالمنطقة بإساءة استخدام المال العام واستغلال نفوذه بعد تحويله جزءا من بيت الشباب في نجران إلى مسكن له!، وهذا يعني أن إبريق الشاي سوف يفرغ من محتواه قبل أن تنتهي عجائب بعض مسؤولي الأجهزة الحكومية في نجران. من الواضح أن بعض المسؤولين في الإدارة الوسطى قد وجدوا حلا ذهبيا لأزمة الإسكان تتلخص في البحث على أي مبنى حكومي مخصص للضيافة أو ما يشبه ذلك والاستيلاء عليه بوضع اليد وتحويله إلى سكن عائلي هادئ، وهكذا يتخلص المسؤول من عبء الإيجار وفواتير الماء والكهرباء ويتفرغ ذهنيا لحل مشاكل المواطنين بعد أن حل مشكلته الشخصية على حساب المال العام!، وإذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال فلن يكون غريبا لو دخل المواطن دائرة حكومية وهو يهتف بالعبارات التحذيرية المتوارثة: (دستور.. يا عرب) كي لا ينتهك خصوصية المدير في بيته. وبالطبع، فإن من (يمون) على المبنى الحكومي التابع لإدارته بهذه الطريقة، فإنه (يمون) أيضا على سيارات الوزارة وسائقيها، ونحمد الله أن الإدارات الحكومية ليس بها شغالات كي لا يتم استغلالهن في طبخ الجريش لعائلة المسؤول، فالجيب واحد والشك زائل!، وكل هذا ــ بالطبع ــ ما كان له أن يحدث لولا فلسفة (الميانة) التي كانت نبراسا يقتدى به من قبل المسؤولين الصغار، الذين هم ــ بالطبع ــ يمثلون قدوة لبقية الموظفين حتى نصل إلى حالة (البزلميط) التي لا ينفع معها علاج ولا دواء ولا حتى استئصال!. لماذا أزعج نفسي وأزعجكم، أيها الأحبة، بهذه القصص العجيبة؟. الأفضل أن (أدبر نفسي) أنا الآخر وأستولي على مكتب الزميل هاشم الجحدلي في «عكاظ» مستغلا (ميانتي) عليه، وهكذا لن أرهق الجريدة بفواتير الاتصالات التي تنهال علي بعد الظهر لتسليم المقال، حيث يكفي أن يطرقوا باب شقتي الجديدة وأرسل لهم المقال من تحت الباب!.