×
محافظة المدينة المنورة

تركيب أكبر وحدة لتحلية المياه في العالم بينبع

صورة الخبر

هل حان الوقت لتقليص سياسية التقشف الاقتصادي في بريطانيا؟ تحت هذا العنوان أو ما يشابهه جاءت تعليقات الصحف ووسائل الإعلام البريطانية المرئية والمسموعة على نتائج الانتخابات المحلية والأوروبية. ويتزامن هذا الطرح بعد التقدم الذي أحرزه حزب الاستقلال البريطاني، ليفتح الباب لجدل قديم - جديد حول تأثير سياسة التقشف الاقتصادي في توجهات الناخبين؟ ومدى امتلاك القادمين الجدد إلى الساحة السياسية رؤية اقتصادية حقيقية تمكن البلاد من الخروج من أزمتها الاقتصادية؟. أبرز المدركين لأهمية ما حدث كان جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني، فقد استبق الاتهامات المتوقعة لخصومه في حزب المحافظين الحاكم، وتحميله المسؤولية عن سياسة التقشف الاقتصادي التي تبناها منذ خمس سنوات، والتي أرهقت المواطن البريطاني ونفرت الناخبين من الحزب، وقد استبقهم أوزبورن جميعا بالتصريح لهيئة الإذاعة البريطانية قائلا "لابد من أن نستمع لقلق وغضب المواطنين"، وهي رسالة بدت للكثيرين متأخرة بعض الشيء، ولكنها على الرغم من ذلك وجدت من يدافع عنها من أعضاء الحزب. يقول روب هورن عضو حزب المحافظين وأستاذ المالية العامة في جامعة ليدز لـ "الاقتصادية"، إن التقشف سياسة قاسية تؤدي إلى إنهاك الطبقة المتوسطة، ولكنها تسمح بتقليص أو التخلص من العجز في الميزانية العامة، لافتاً إلى أن إدارة أوزبورن سمحت برفع معدل النمو الاقتصادي حيث يتوقع أن يتجاوز 3 في المائة هذا العام، لتبقى بريطانيا الدولة الرائدة أوروبيا في معدل النمو. لكن الدفاع عن سياسة التقشف يصطدم بانتقادات واسعة من المعارضة، على اعتبار أن ما حدث هو تحسن فقط في الأرقام والإحصاءات، ولم تحسن مستوى معيشة المواطن البريطاني، الذي فضل أن يصوت لمصلحة قوى تأخذ في الحسبان ضرورة تقليص السياسات التقشفية الراهنة دون التخلص منها. ومع هذا يظل التساؤل مطروحا ما هو التأثير الاقتصادي للتفوق السياسي الذي أحرزه حزب الاستقلال البريطاني؟ وهل يمكن أن يعكس الاتجاه الراهن لسياسة التقشف؟. المطلع على المشهد البريطاني الحالي يجد تناقضا واضحا بين مواقف المختصين والخبراء الاقتصاديين من جانب، والموقف الجماهيري الداعم لحزب الاستقلال البريطاني من جانب آخر، فالحزب بنى شعبيته على قضيتين أساسيتين ترتبطان بشكل وثيق بالسياسات التقشفية الراهنة في بريطانيا، القضية الأولى دعوته للخروج من الاتحاد الأوروبي والثانية الحد من المهاجرين. ويصرح ريتشارد جاري الصحفي الاقتصادي البريطاني لـ "الاقتصادية"، بأن سياسية التقشف تتطلب في جزء كبير منها ضرورة الحد من أعداد المهاجرين المتدفقين على بريطانيا من بلدان الاتحاد الأوروبي، ولكننا لا نستطيع القيام بذلك لأننا أعضاء في التكتل، والقضيتان مرتبطتان ببعضهما البعض. وأضاف جاري أن الأمر المؤكد لمعظم الاقتصاديين ولعدد كبير من رجال الأعمال في المملكة المتحدة، أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيجعل البلاد في وضع اقتصادي أسوأ على الأمد الطويل، فربما في الأجل القصير نفلح في السيطرة على قضية المهاجرين، مشيراً إلى أن حل هذه المشكلة سيقلص من الدعوات الراهنة للتقشف الاقتصادي، لكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أننا سنفقد السوق الأوروبية الضخمة ذات المستويات المعيشية المرتفعة. ومن هذا المنطلق، فإن البعض يعتقد أنه في الأجل القصير، قد تنجح القوى الداعية لخفض حدة سياسية التقشف من تحقيق نتائج اقتصادية إيجابية خاصة أنها مدعومة برغبة جماهيرية جامحة في هذا الاتجاه، لكن يبقى أن تقليص التقشف إذا ارتبط بإجراءات جذرية كالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة من جانب المستثمرين الأوروبيين ورؤوس الأموال المتدفقة في الاقتصاد البريطاني، ومن المنطقي أن يثير انسحاب هؤلاء المستثمرين آثاراً سلبية على الاقتصاد البريطاني، بل السؤال الأكثر أهمية هو إلى أين ستتجه رؤوس الأموال تلك بعد مغادرة الأسواق البريطانية، فإذا ما أعادت توزيع استثماراتها في بلدان أوروبية أخرى من أعضاء الاتحاد فإن ذلك يعني تراجع القوة الاقتصادية النسبية لبريطانيا مقارنة بمنافسيها الأوروبيين. ويذهب بعض المعنيين بالشأن الاقتصادي البريطاني ومن بينهم جون راسال الباحث في معهد الدراسات الاقتصادية إلى أنه بمقدار ما يقابل الإفراط في سياسة التقشف رفضا جماهيريا، فإن التداعيات الاقتصادية لمحاولة طرح سبل لتقليص تلك السياسة عبر خفض معدلات الهجرة لن يعود على الاقتصاد البريطاني بالنفع. وأضاف راسال لـ "الاقتصادية"، أن الكثير من الداعين إلى خفض عدد المهاجرين لبريطانيا، بهدف تقليص سياسة التقشف يتناسون أن تلك الهجرة تؤدي إلى انخفاض الأجور محليا، مما يرفع من قدرتنا على المنافسة مع اقتصادات قوية مثل ألمانيا، كما أن هؤلاء المهاجرين ليسوا كما يصورون دائما باعتبارهم عمالة هامشية، بل الكثير منهم متخصصون سواء في مجال الطب أو الهندسة أو غيرها من فروع المعرفة، ما يعني أن بريطانيا تضيف لقوة العمل شخصا متخصصا دون أن تستثمر فيه تعليميا على الأقل، بينما ألقي هذا العبء على عاتق الاقتصاد الذي قدم منه هؤلاء المهاجرون، ومن ثم أعتقد أنه طرح غير صائب أن نطالب بتقليص أعداد المهاجرين، ضمن إطار دعوتنا إلى خفض سياسات التقشف الراهن. وتشير بعض الدراسات البريطانية الحديثة إلى أن المهاجرين إلى بريطانيا يمثلون إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، فهم يدفعون ضرائب أعلى مما يحصلون عليه من فوائد اقتصادية من قبل الحكومة، ومع هذا فإن انتصار قوى تدعو إلى خفض حدة السياسة التقشفية يبدو من وجهة نظر البعض أمرا له آثاره السلبية في المستقبل السياسي والاقتصادي لبريطانيا. فانتصار حزب الاستقلال بتوجهاته التي يعتبرها الكثير من الاسكتلنديين توجهات "إنجليزية" محضة، على الرغم من مسمي الحزب، قد يعزز موقع التيار الداعي لاستقلال اسكتلندا. إذا ما انتصر هذا التيار في الاستفتاء المقبل، فإن السياسات التقشفية لأوزبورن لن تكون فقط سببا في تقدم حزب الاستقلال على حسب حزب المحافظين، بل ستكون سببا في تقسيم بريطانيا العظمى وحصول اسكتلندا على استقلالها، وهوما سيكون له العديد من التداعيات على الثقل الاقتصادي للندن ليس فقط في أوروبا بل في العالم أجمع.