من المؤكد أن اختيار رئيس لمصر للمرحلة القادمة، هو أمر على قدر عال من الأهمية، ولكن في تقديري إن تبني مشروع للمصالحة الوطنية هو أمر لايقل أهمية عن اختيار الرئيس. نعم إن وصول رئيس شرعي منتخب للسلطة سوف يسهم في خلق حالة من الاستقرار الداخلي وكذلك عملية ثبات وتوازن سياسي على الصعيد الخارجي، ولكن سوف يكون أمام الرئيس المنتخب ملفات عدة عليه المسارعة بمعالجتها والعمل على حلها. فبعيداً عن تضخم الدين العام وحالات العنف المتجدد وتفشي الجريمة وقطع الطريق وبروز لغة الاحتقان الداخلي للعلن وعزف البعض على وتر الطائفية، فإنه يبقى هناك الملف الأكثر أهمية من كل ذلك -مع تقديري لأهمية باقي الملفات- وأعني به تبني مشروع للمصالحة الوطنية الشاملة. وهو الأمر الذي سيمكن الرئيس القادم من التفرغ لعملية التنمية وتوجيه عجلة بناء البلاد لوجهتها الصحيحة من جديد. نعلم جيداً إنّ سرَّ قوة مصر وثقلها الخارجي -في الماضي- كان نابعاً من حالة التآلف السائدة بين كافة القوى الوطنية آنذاك. نعم كانت هناك اختلافات في وجهات النظر حيال بعض القضايا وطرق معالجتها ولكن كانت مجمل الأحزاب والقوى الوطنية تحيا وهي تحمل في ذهنيتها لغة التعايش المشترك مع باقي التيارات والتعدديات السياسية الأخرى. بل وحتى على المستوى الديني فقد كانت عملية الاحترام والتقدير المتبادل هي السمة الغالبة والمشتركة بين مسلمي وأقباط مصر. كانت مرحلة ما بعد الثورة وتحديداً بعد الخامس والعشرين من يناير واعدة خاصة مع توهج جذوة الشعور الوطني وبروز اللغة الإيجابية والسائدة بين مختلف القوى والتيارات الفاعلة على المسرح السياسي المصري. الا أن المراحل التالية وما حفلت به من أخطاء على الصعيدين الداخلي والسياسي الخارجي هي التي مهدت لخلق وإيجاد حالة العداء السائدة وعمليات الكره المتبادل والمشترك -بين مختلف التيارات والقوى الوطنية- التي تحياها وتعيشها مصر اليوم، وتدفع فاتورتها يوماً بعد آخر بمزيد من حالات العنف وإسالة الدماء. هناك من يحمّل مرحلة مرسي؛ وأعني بذلك مرحلة وصول جماعة الإخوان للسلطة بمصر؛ المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في مصر لاحقاً. ولكن -في اعتقادي- أن الحكيم هو من يدرك أن محاولة نسيان الماضي وتبنى لغة العيش المشترك هي الأمر الذي سيحدث الفرق وسيحد من حالة العنف والقلق الداخلي الذي تحياه مصر بل وسيعمل لإحداث نقلة نوعية في الواقع المعاش للمجتمع المصري. إن المجتمع العربي بمجمله وكذلك الدول الإسلامية أعينهم على مصر ويحلمون بأن هناك غداً واعداً ينتظرها. فالجميع يعي أهمية ودور مصر كدولة فاعلة على المحيطين العربي والدولي. وأنا أرى أن استعادة مصر دورها الفاعل على الساحة العربية والدولية يتطلب مزيداً من العمل والتضحية والجهاد الجبار الذي ينبغي أن تبذله مصر حكومة وشعباً وعلى كافة الأصعدة والسبيل لذلك يبدأ بالخطوة الأولى وأعني بها المصالحة الوطنية.