يتساءل الناس كثيراً أيهما أمرُّ على الإنسان، أهي صعوبة البداية أم قصة النهاية؟، وهذا التساؤل هو حق مشروع لكل من له عقل متأمل ولبٌّ يقظ. يا للغرابة، لكل شيء في هذه الدنيا شعور، ولكن لحظات الوداع لها مشاعر تميزها عن بقية المشاعر، فتجد كثيراً من يقول لك لا أطيق مشاعر الوداع، لا أريد أن أودعه في المطار سأكتفي بمكالمة وداعية، سأكتفي بحضن سريع، لا أريد أن أرى عينيه لأنني أخشى أن أنهار أمامه باكياً، وغيرها من العبارات التي يملؤها الشجن وتحفها الأحزان من كل جهة ومكان. يلتف الجميع حول الشاشة الصغيرة ليشاهدوا فيلماً معيناً ويتضاحكوا معه كثيراً أو يتفاعلوا معه ملياً، وعندما يعم السواد الشاشة وتأتي كلمة النهاية مصحوبة بموسيقى تليق بها يتنهد الجميع ويعم النور المكان وفي القلب لهفة تتساءل ما هو مصير الحبيب! وصوت في الزاوية يقول ساخراً «تراه تمثيل». تمشي في شوارع مكة الطاهرة بعد انقضاء موسم الحج فتجد دموع الحجيج كأنها أنهار تجري في مكة من هول وألم الوداع.. حقاً لا أحد يطيق الوداع. النهاية صيرورة كونية فلكل شيء حتماً نهاية، فالنار تشتعل وتصل ألسنتها عنان السماء وبعد حين يخفت ضوؤها ويظهر رمادها وكأنه يحكي لنا قصة نار فائتة مرت من هنا. والحبيبان يلتهب حبهما ويتواعدان ذات مساء بأنهما لن يفرقهما سوى الموت وفي لحظة يرن الهاتف ليقول لهما ذلك الصوت بأن كل شيء انتهى. والموظف يذهب كل صباح إلى عمله وتمر الأيام فيحل الفساد في تلك المنظمة وتتناهشها عوامل التعرية حتى يأتي يوم ويشاهد فيه أن الشركة أصبحت في طي النسيان حيث داهمها الإفلاس من كل مكان وانتهت. نحن البشر في صراع يومي نحو التطور الذي نهدف من خلاله أن نمارس هروبنا غير المعلن عن كل نهاية متوقعة وغير متوقعة، لأننا لا نطيق سماع كل كلمات الوداع ولا نريد رؤية كل لحظات النهاية، ولكن مهما فعلنا فهنالك نهاية حتمية علينا جميعاً، حيث يقول الله في كتابه الكريم «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». حكمة.. ما بين بدايتك ونهايتك.. أنت ماذا فعلت؟