النسخة: الورقية - سعودي قرأتُ سجالاً شعرياً طريفاً بين اثنين من شعراء العصر الجاهلي، هما عبيد بن الأبرص وامرئ القيس، قال الأول للثاني: ما السود والبيض والأسماء واحدة لا يستطيع لهن الناس تمساسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك السحاب إذا الرحمان أرسلها روّى بها من مُحول الأرض أيباسا فقال عبيد: ما القاطعات لأرض لا أنيس لها تأتي سراعاً وما يرجعن أنكاسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك الرياح إذا هبّّت عواصفُها كفى بأذيالها للتُّرب كنّاسا فقال عبيد: ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر ولا لسان فصيح يُعجب النّاسا فقال امرؤ القيس: تلك الموازين والرحمان أنزلها رَب البرية بين الناس مقياسا فقال عبيد: ما السابقات سراع الطير في مهل لا يشتكين ولو ألجمتها فاسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا كانوا لهن غدة الرَّوع أحلاسا فعجبت لخيال أولئك الشعراء وما يتمتعون به ملكة تمكنهم من التعبير عما يجيش بخاطرهم. وعلى رغم أن الشعراء لم يغادروا من «متردم» كما قال عنترة العبسي: (هل غادر الشعراء من متردم*** أم هل عرفت الدار بعد توهم؟) قلت لصاحبي الشاعر: دعنا نتساجل كما تساجل السلف، ولكن (على قدر حالنا) فقال: أنظم عجز بيت من الشعر أنظم لك صدراً، فقلت: وحديثها كالشهد بل هو أعذبُ. فقال على الفور: نبراتها تشجيك رنة جرسها فأصبح بيت الشعر: نبراتها تشجيك رنة جرسها وحديثها كالشهد بل هو أعذبُ فقلت صدراً لبيت ثانٍ: (هي كالثريا إن تلألأ عقدُها) فقال: (كالمشتري هي في علاها زينبُ) فأصبح البيت: هي كالثريا إن تلألأ عقدها كالمشتري هي في علاها زينبُ وحينها تذكرت قول الشاعر: الشعراء أربعة: شاعر يجري ولا يُجرى معه، وشاعر يتيه في المعمعة، وشاعر يستحق أن تسمعه، وشاعر لا تستحي أن تصفعه. ولا أدري من أي فئة كنا؟ والحكم لدى القارئ الكريم. وصدق من قال: «إن من البيان لسحراً». binkogali@hotmail.com