استوعبت "جوجل" خلال شهر ملتهب، عديدا من الضربات في أوروبا، راوحت من هزائم في المحكمة إلى تقلبات سياسية وحتى تهديدات بأن يتم تفكيكها. لكن بالنسبة لبعض مستخدميها، لا شيء يهزم غاندي. ورد اسم غاندي، محرر الهند من الاستعمار، في الأسبوع الماضي أثناء مؤتمر في باريس، حيث قام أرنو مونتيبرج، وزير الاقتصاد الفرنسي، بتشبيه شركة البحث الأمريكية العملاقة بأنها "شركة هند شرقية جديدة" تسعى لنهب ثروات أوروبا. أمام جمهور مليء بأعداء "جوجل" - من شركات وسائل الإعلام، مثل أكسل سبرينجر الألمانية، ولاجاردير الفرنسية، إلى دويتشه تيليكوم الألمانية، وحتى مايكروسوفت - قال مونتيبورج وسط هتاف حماسي، إن هذه "غانديات" رقمية. "تحيا القوى الأوروبية من أجل الحرية الرقمية"! ربما لا يكون مونتيبورج معروفاً باعتداله، لكنه واحد من عديد من السياسيين الأوروبيين الذين يستهدفون شركات التكنولوجيا الأمريكية في الوقت الذي تتحوّل فيه الرياح السياسية ضدها في باريس - وبشكل غير عادي أكثر - في برلين. ويخشى تنفيذيون في "جوجل" من أن يجعل هذا التحوّل من السهل على الشركات الوطنية، مثل سبرينجر إثارة غرائز الحمائية، ما يترك الشركة الأمريكية عُرضة لردة فعل تنظيمية عنيفة. وقال أحد المسؤولين الذي تحدث إلى "جوجل" في الفترة الأخيرة "بالطبع هم قلقون، من الذي لا يقلقه ذلك"؟ وتحارب "جوجل" على جبهات متعددة، فهي عالقة منذ أربع سنوات في تحقيق حول مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي يتعلق بتلاعب مزعوم في نتائج البحث. وهناك شكاوى حول الطريقة التي تمكنت بها من ترخيص برنامج التشغيل أندرويد للهواتف الذكية، التي من الممكن أن تؤدي إلى تحقيق كامل. وعلى الجبهة التنظيمية، تواجه قواعد أكثر صرامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي من شأنها عرقلة عملياتها. وفي الأسبوع الماضي - في حُكم ينطوي على آثار كبيرة على أعمال البحث في "جوجل" - طلبت أعلى محكمة في أوروبا من عملاق الإنترنت حذف روابط معينة لماضي أحد المستخدمين، لأنه يرغب في ممارسة "الحق بأن يُنسى". والساخطون مجموعة مختلطة، لكن تجمعهم وحدة الهدف. ماتياس دوبنر، رئيس إكسل سبرينجر، أخبر "فاينانشيال تايمز" أن "الأمر ليس نزعة عدائية ضد جوجل، أو ضد أمريكا، أو ضد الإنترنت"، وإنما هو الخوف من "قوة جوجل الفريدة". وأضاف "إذا أراد الفائز حقاً الحصول على كل شيء، فإن هذا قد يؤدي إلى حالة يخسر فيها الفائز كل شيء". ومن خلال اعتماد نهج موزون لمكافحة الاحتكار وتطبيق ضغط شديد على حماية البيانات، فإن "جوجل" تبدو على الأقل كأنها قادرة على احتواء التهديدات التي تواجهها. وتوافق جميع الأطراف على أن الأمر الذي قلب الموازين كان فضيحة التجسس في الولايات المتحدة، التي كشفت أنه حتى هاتف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، كانت وكالة الأمن القومي الأمريكية تتنصت عليه. وبالنسبة لميركل، التي نشأت في ألمانيا الشرقية الشيوعية، كان ذلك بمثابة تدخل شخصي تجد صعوبة في غفرانه. وفي الوقت نفسه، كان الغضب في ألمانيا قد تغلغل في الأوساط السياسية. وتستنكر مجموعات التكنولوجيا في الولايات المتحدة مثل "جوجل" الإشارة إلى أنها تم استخدامها وسيلة لتجسس وكالة الأمن القومي. ومع ذلك تجد الشركة نفسها في الخط الأمامي في النقاش الألماني. وقد حذّر زيجمار جابريل، وزير الاقتصاد الألماني، من "النزعات الاستبدادية" التي يمكن أن تبرر تفكيك أعمال "جوجل". وقال مارتين شولتز، مرشح يسار الوسط لرئاسة المفوضية الأوروبية، "إنها تبدو كأنها قوة هائلة، لا مكان لها في ديمقراطية تعددية". وحتى ميركل شككت فيما إذا كانت "مجموعات الاحتكار الكلاسيكية" مثل "جوجل" ينبغي ائتمانها على البيانات الشخصية. وإلى جانب الأضرار التي أصابت سمعتها، يطرح التحوّل السياسي مشكلتين محتملتين أمام "جوجل": تفاقم اشتباكها مع سلطات المنافسة في الاتحاد الأوروبي، وإثارة تشريعات جديدة للحد من قوتها. على جبهة مكافحة الاحتكار، خواكين ألمونيا، رئيس المنافسة في الاتحاد الأوروبي، يخضع لضغوط مكثفة للتخلي عن مشروع تسوية مع "جوجل" يحرص على اعتماده. ومن شأن هذا المشروع فرض قيود على كيفية تقديم "جوجل" نتائح البحث - على الرغم من أن النقّاد سخروا منه باعتباره "أسوأ من لا شيء". بدلاً من ذلك، طلب جابريل ومونتيبرج من ألمونيا في رسالة مشتركة أُرسِلت في الأسبوع الماضي، توجيه اتهامات وتوسيع التحقيق إلى مجالات مثل حماية البيانات وإعفاءات ضريبية غير عادلة. وحذّر الوزيران من أن "الثقة بأدوات قانون المنافسة على المحك". وألمونيا واثق أن بإمكانه إقناع غالبية مفوضي الاتحاد الأوروبي باعتماد التسوية. وتجاوز مفوض المنافسة في مثل هذه القضية الكبيرة - الآن عمرها أربعة أعوام - سيؤدي إلى اضطراب ضخم. ويقول دوبنر إن معظم المفوضين الذين اتصل بهم كانوا "داعمين للغاية". ويعتقد بعض الأشخاص المشاركين أن الضغوط جعلت من المحتمل أكثر أن ألمونيا سيقرر إطلاق تحقيق رسمي حول الأندرويد. وفيما يتعلق بالمجالات الأخرى - مثل حقوق النشر والطبع أو حماية البيانات - يؤكد ألمونيا أن هذه ليست مسألة تتعلق بتنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار، وإنما خاضعة للقوانين التنظيمية. ويعتقد بعض المشاركين في العملية أن التسوية لن تلقى الدعم إلا إذا وافق ألمونيا على تحقيق كامل يتعلق بالأندرويد - وهو أمر كان قد قاومه حتى الآن، داعياً بدلاً من ذلك إلى تنظيم أفضل. وهذا ثاني أكبر مصدر للقلق بالنسبة لـ "جوجل"، لأن إصدار قانون جديد لحماية البيانات من شأنه تقييد طريقة استخدام "جوجل" للبيانات الشخصية، ويعمل في الوقت نفسه على تعزيز سلطة المنظمين. ومثل هذا القانون قيد المناقشة بالفعل وقد يتم إقراره سريعاً في العام المقبل. وتخشى شركات التكنولوجيا أن يكون ذلك البداية لهجوم أوسع يتم فيه إخضاع "جوجل" إلى ضوابط كالتي تخضع لها مؤسسات المنافع العامة. ويشعر قادة الأعمال والسياسة في مزيد من الدول الليبرالية الشمالية بالقلق على نحو متزايد. لكن حتى هذه اللحظة، فإن نقّاد "جوجل" في تصاعد. وأمام حشد من المساهمين الذين استقبلوا كلامه بعاصفة من التصفيق، قال تيم هوتجيز من شركة دويتشه تيليكوم هذا الأسبوع "من غير المعقول أن "جوجل" وشركاها هم أفضل من يستثمرون هنا ويستحدثون الوظائف".