لم يأبه المخرج فجر يعقوب لمقتضيات المُنتج التلفزيوني، ولا خضع لرغباته، فذهب في فيلمه الجديد «طريق بيروت - مولهولاند 150 ألف كيلومتر»، إلى أمكنة سردية روائية وتوثيقية، لا يمكن عادة أيّ من القنوات الفضائية احتمالها. شاء يعقوب تناول حكايات المنفى المتراكب لفلسطينيين يلوبون ما بين منفى وآخر، ويرحلون من لجوء إلى أقسى، ويكتشف العنف الداخلي الذي يتحاورون من خلاله، وقد باتت مخيماتهم مصائد لهم. يُدرك فجر يعقوب بدايةً، أنه يُنجز فيلمه الجديد هذا، لمصلحة قناة تلفزيونية فضائية، هي قناة «الميادين»، على ما أبدته هذه القناة، منذ ولادتها، من ميول تتمازج فيها مفردات سياسية وطنية وقومية، بادّعاءات فارهة، تأخذ في النهاية لبوساً مآله «مولهولاند»! يعرف عميقاً أنه ينفر، في الوقت ذاته، من سياقات الفضائيات العربية، الصارمة الأدلجة، إلى درجة أنها لا تنبس ببنت شفة، صورة وصوتاً، إلا في سياق ما تريد، وليست «الميادين» إلا النموذج الأكثر فداحة، ربما. يُغامر فجر يعقوب في فيلمه هذا. إنه يُبحر بعيداً من مُرادات «الميادين» ذاتها من دون أن يتضادّ معها. لا يأبه باقتصادها في القول والفعل، ولا بتركيزها على الخلاصة الفريدة التي لا تطمح إلا إلى قول واحد مباشر ونهائي. يحاول يعقوب الذهاب إلى مستوى آخر من الحكاية، وإلى أبعد مما تقوله. سيترك لفلسطينييه أن يقولوا ما يشاؤون، حتى لو خالفوا القانون، أو اجتازوا إشارة السير، على الضوء الأحمر! لن يكون من الغريب القول إن فيلم «طريق بيروت - مولهولاند 150 ألف كيلومتر»، ما هو إلا رؤية لمخرجه. قراءة خاصة للمخرج المؤلف فجر يعقوب. قراءة تنتمي اليه. ربما وحده. دونما أيّ اهتمام، على مستوى المضمون، لما يريده الآخرون. ودونما أيّ اعتبار، على مستوى الشكل الفني، لما تحرص القناة المُنتجة على الالتزام به. يذهب المخرج بفيلمه مع فتاته ميرا صيداوي التي يحوّلها مسبارَ فحص للكثير من التفاصيل، بما فيها تلك التي لا تُقال، وينـــجز معها فيلماً غير تقليدي. فيلم يمزج فيه الأنواع ما بين وثائقي وروائي وواقعي وتعبيري وشاعري ونثري. مع المخرج فجر يعقوب، وفي فيلمه التجريبي هذا، كما هو مُعتاد منه، باعتباره مخرجاً وناقداً وشاعراً وروائياً، تحضر الفتاة السمراء ميرا صيداوي على صورة اكتشاف جميل، ويتألّق الفنان المُحترف، حسان مراد، في دقائق معدودات، تمنح الفيلم بعداً فلسفياً، سيكون من العسير على المشاهد العادي التقاط كنهه. فيلم «طريق بيروت - مولهولاند 150 ألف كيلومتر»، حكايات عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين السوريين، في لجوء مرير، أُرغموا عليه، إلى لبنان، بل إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان! وجع على وجع. وسير على حافة الحذر. فيلم لا يلامس «اللغم السوري»، الذي نثر كل هذه المواجع، وأيقظها من رقادها، ولكن يتركه يتلامح في ثنايا تفاصيل القصص التي حملت آلامها من مخيم «سبينة» إلى «برج البراجنة»، وما وجدت شفاءً.