في إحدى لحظات الشغب الفكري، والتي كثيرا ما تعتريني كحالة مزاجية مؤقتة لا تلبث أن تنجلي سريعا، قفز إلى ذهني سؤال شغلني بالبحث عن إجابة له، فأمسكت بالقلم على الفور لأكتب لك ما يجول في خاطري وأسألك يا من تقرأ بعدي الخامس وأقول: ترى من هم الغرباء برأيك؟ ولا تجبني رجاء بما أعرف وتعرف، فما أبحث عنه من خلال إثارة هذا التساؤل لن يظهر إلا بعد أن تفكر معي بصوت عالٍ وتستغرق متأملا لما حولك. فالواقع اليوم يقول بأن الغريب لفظ اتسع معناه ليشمل نماذج ساقتها إلينا الظروف لأسباب لا نعلمها! فلم يعد الغريب فقط غريب الوطن أو المكان أو السلوك، فقد يكون الغريب، من يصحو صباحا ولا يرى في مرآته سوى بقايا ملامح ضاعت هوية صاحبها! وقد لا يتنبه لذلك لأنه نسي كيف كان يبدو في الماضي، بعد أن ترك قدميه تنجرف في طريق زلق يمتلئ بالحصى والزجاج. لن أطيل أكثر وسأروي قصة تترجم ما أقول. يحكى أن فتاة جميلة تدعى جمانة، كانت تدرس الفلسفة والمنطق وتحلم بالعمل في السلك الدبلوماسي، ولها من الصداقات الكثير. لكن صديقتها ليان التي تدرس الفنون الجميلة وتحلم بالعمل كمصممة أزياء، كانت أقرب إليها من الجميع. تخرجت جمانة والتحقت بالعمل الذي أحبته، في المقابل وبالرغم من أن ليان كانت تتخذ موقفا مسبقا من أي رجل بسبب ما عانته أمها من أبيها طوال حياتها من عنف جسدي ولفظي، إلا أنها تزوجت من أول طارق لباب منزلهم هربا من جحيم أبدي! وبالطبع لم يدم زواجها سوى أشهر قليلة بعد أن صدمت بخيانة زوجها وعلاقاته المتعددة! قاطعت جمانة صديقتها ليان بعد أن حاولت مساعدتها في النهوض بعد الانكسار الذي أصابها، لكن ليان لم تكن تستمع لأي شيء! وكأن الأمر لا يعنيها! واختارت أن تسلك طريقا مغايرا بأن تنتقم من أي رجل تلتقيه ولو صدفة، بإغوائه حد الثمالة وتعذيبه حد الموت! ولم تعد الروح هي الروح ولا الجسد هو الجسد! بعد عامين فوجئت جمانة برسائل غزل وقصائد حب على هاتفها، وهدايا تصلها من مجهول في مقر عملها، وصور يندى لها الجبين أغرقت بريدها الإلكتروني! لكن الأغرب أنها وبعد أن تتبعت المصدر اكتشفت أنها من ليان! أخيرا أقول: ليس هناك أقسى من غربة الإنسان عن نفسه، فهي سر استسلامه لصفعات الحياة.. فهل تتخيل وجها بلا ملامح أو سيارة بلا كوابح؟