--> عند التفكير في تعريف التطوع حضرت في ذهني مقولة (هانتغنون) في تعريف التنمية السياسية (ماذا تعني التنمية السياسية إذا كانت تعني كل شيء وأي شي؟). فبعض التعاريف وشروحها تكاد تدخل كل شيء تحت عباءة التطوع حتى أصبح التعريف مشتتا أكثر من كونه محددا، لذا لم يعد إيجاد صيغة لغوية هي الهاجس الأكبر، فالمهم هو التركيز على قيمة المفهوم ومحددات تلك القيمة. هنا تكمن أهمية إيجاد المداخل أو المقاربات لفهم مفردة (التطوع) وهي في نظري مقاربتان أولاهما: مدخل السلوك الاجتماعي، والثانية: مدخل النظام الوظيفي، وسوف نتوسع في هذه المقاربات في مناسبات أخرى، لكن هنا سنستعرض مدخل السلوك الاجتماعي بإيجاز. نلاحظ أن التطوع كقيمة اجتماعي يختلف جذريا في حالة المجتمعات الساكنة (الريفية أو القبلية) والمجتمعات المتحركة (الحضارية والمتنوعة) وهذا يجعله أبرز المؤشرات لقياس التغير الاجتماعي. فبينما نجد أن العمل التطوعي للأفراد في المجتمعات الساكنة ينظر له كالتزام اجتماعي شبيه (بمقايضة المنفعة) في الأعمال الحياتية مثل البناء والتنقل وحصد المحاصيل وسلامة المجموعات ... الخ. فالفرد هنا محكوم بعقد اجتماعية أو التضامن الاجتماعية تكون عبر الزمن لمجموعته البشرية سواء كقرية أو قبيلة أو حارة أو حتى أقلية عقائدية أو اثنية. فحرية الفرد في هذه المجتمعات ضيقة الحدود مقارنة بقرار الجماعة أو (الكبير)، بينما نجد أن المجتمعات المتحركة كسكان المدن والمجتمعات المتنوعة والحضارية التي تفككت فيها منظومة الالتزام المجتمعي للمجتمعات السابقة وأعيد تركيبها كمنظومة أخلاقية حسب مبادئ المجتمع الجديد تظهر إرادة الفرد أنفذ من قوة المجتمع. ويعود الالتزام الأخلاقي لقناعة الفرد وإرادته في المقام الأول وهذا لا يعني اضمحلال قيود الجماعة تماما. فالدوائر الاجتماعية القريبة من الفرد تجعل التطوع التزاما مجتمعيا كلما صغرت ويتحول التطوع الى خيار أخلاقي كلما بعدت كدوائر العائلة والأصدقاء والمعارف. وتظهر التشريعات الحكومية كمحدد أكبر لخيار الفرد في الدول الحديثة كمقياس حضاري، حيث تنبع القوانين من القيم والمبادئ الإنسانية ويفرض بقوة القانون تطبيق تلك القيم والمبادئ لتضطلع القطاعات العامة والخاصة والمدنية وأفراد المجتمع كافة بمسؤوليتهم الاجتماعية نحو الوطن ومجتمعهم. معيدةً التطوع للمبعث الأصلي كالتزام مجتمعي (المسؤولية، الخدمة الاجتماعية) وهنا تكمن أهمية التمييز بين التطوع والخدمة الاجتماعية خاصة في سن التشريعات فلا يستقيم (فرض التطوع) كمتطلب دراسي أو تقديمه كعقوبة بديلة كما هو متداول! الذي من شأنه إفراغ روح التطوع من المبادرة والخيار الذاتي، خاصة لدى الشباب الذين بطبيعة المرحلة العمرية ينفرون من كل قيد، لذا يجب استخدام المصطلح المناسب انطلاقا من هامش الحرية الذاتية. فمفردة التطوع نقيض الإلزام لغةً ومبدأً وحماسة بعض صناع القرار قد يقتلها كقيمة حضارية، ويعيقها كعامل جذب للتعبير المدنية الحضاري لقطاع كبير من الشباب الذي يرى في التطوع فرصة للمشاركة واثبات الذات والمساهمة في تغيير الواقع بطرق ايجابية. الأمين العام لجمعية العمل التطوعي لا توجد كلمات دلالية لهذا المقال : -->