صدمني مشهد امرأة أربعينية وقد خرجت من السيارة حال ما توقفت عند الإشارة الضوئية ، مستنجدة بالمارة ورجال الأمن لإنقاذها من زوجها الذي كان يضربها كما يبدو داخل السيارة، وأبناؤها يشهدون على هذه الجريمة في مقاعدهم الخلفية لا حول لهم ولا قوة، منظر محزن أن ترى تلك الأم وقد فرت من السيارة مجازفة بحياتها، وحجابها قد وقع من على رأسها، ونعلاها يمنة ويسرى وسط الشارع، لتكون فرجة . المرآة العاكسة الأمامية غالباً ما تكون عدسة تنقل لك ما يدور في بعض السيارات، وكثيرة هي المواقف التي تجد فيها نسوة وقد طأطأن الرأس خجلاً، أمام زوج أو أخ أو حتى أب وقد استشاط غضباً، وأخذ يزبد ويرعد أمام خلق الله، غير مكترث بالعالم من حوله، وضارباً الأخلاق والذوق والاحترام عرض الحائط، وكثيرة هي المشاهد التي ترى فيها كلا الزوجين وهما يرفعان سبابتهما تهديداً وقد اكفهر وجهاهما وتقطبت حواجبهما، ولا أبالغ إن قلت إن بعضهم يرفع يده معنفاً المرأة أو الأولاد ممن يشاركونه السيارة، في منظر ليس فقط غير حضاري وإنما يعكس مستوى البيئة والتربية التي منها يندرجون. في دراسة أجريت على المجتمع البريطاني تبين أن أكثر الأماكن استقطاباً للمشاحنات بين أفراد الأسرة هي السيارة، 54% من عينة الدراسة أكدوا فيها على "خلافات حامية" تنشب بينهم خلال اجتماعهم في السيارة، وإن 21% أعربوا عن قلقهم من تسبب هذه الخلافات في حوادث سير! تلك كانت جزءا يسيرا من الدراسة، التي لو أجريت في بلداننا العربية أكاد أن أجزم أن النسب ستفوقها مرات، مع ارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من العصبية، وزحمة الشوارع، ناهيك عن تسلط بعض الرجال وعقدة "الذكورية" التي لا يزال "البعض" ينظر إلى المرأة بنظرة دونية، يستحقرها ويجبرها على السكوت وفي حلقها ألف غصة. السيارة ليست المكان الملائم لتفريغ الشحنات السلبية، وليست المكان الذي تناقش فيه المشاكل الأسرية، "وإذا بليتم فاستتروا"، أنعم الله عليكم ببيوت لها أبواب تغلق، ولا داعي لأن يعلم القاصي والداني بمشاكلكم التي لا تعني لهم شيئا سوى الفضول الذي سيشغلهم فيمَ كان الخلاف؟ ومن هؤلاء؟ وللمرأة مكانة كرمها الله جل شأنه وكرمها الاسلام وأقل ما يكون حفظ كرامتها وماء وجهها أمام الغرباء. ياسمينة: تسقط رجولة الذكر ما أن يرفع يده على امرأة.