×
محافظة المنطقة الشرقية

"الجبيل" تزف 50 حافظاً وحافظة في مسابقة القرآن السنوية

صورة الخبر

ربما لا يكون غياب الانتماء إلى الوطن بمفهومه الحديث ذنب الصحوة الوحيد، ولكنه أحد أكبر ذنوبها ولاشك، فمنذ بدايات تشكل هذا الخطاب الطفيلي حرص على ترسيخ مفهوم الأممية بدلاً عن الوطنية، وحرص على إلصاق فكرة الوطن بالمنهج الغربي، كما حرص على إثبات مزاعم أن مفهوم الوطن في الإسلام مفهومٌ غير أصيل، وأنّ المسلم لا بد أن ينتمي للأمة وليس للأوطان القطرية الحديثة، كما حمل رموز الصحوة على عواتقهم مشقة بيان التعارض -المنتفي أصلاً- بين الأمة والوطن، حيث تلقف هؤلاء الرموز فتاوى بعض العلماء الكبار في العقود الماضية، التي كانت في أساسها فتاوى ظرفية قُصد بها مجابهة الدعاوى القومية، هذه الفتاوى التي صدرت لدينا في السعودية عن بعض كبار العلماء في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت شديدة الانحياز إلى الانتماء الأممي في مقابل التهوين بل ربما التنفير من الانتماءات الوطنية والقومية، ولا يخفى على العاقل تأثير الأحداث السياسية في ذلك الوقت خصوصاً الخلاف بين المعسكر الناصري وبعض الأنظمة العريقة في المنطقة على لغة وفكر تلك الفتاوى، إلا أن التيار الصحوي نجح في توظيف تلك الفتاوى بشكلٍ باهر في معركته ضد مفهوم الوطن، هذا التوظيف الماكر والتكثيف المريب لمفهوم الانتماء الأممي كان أحد أمضى أسلحة الصحوة في حربها الرامية إلى نزع مفهوم الوطن بكل دلالاته القيمية العظمى وغرس المفهوم الأممي العائم والمناقض لحركة التاريخ وبديهيات المنطق بدلاً عنه، فكان هؤلاء الرموز في حالة اقتناص للأخطاء في داخل الوطن وتضخيمها والمزايدة بها على كل مسؤول، في مقابل تجاهل الأخطاء الكبرى في الخارج، والاحتفاء بكل تفصيلٍ إيجابي خارج الوطن، وتضخيمه ثم مقارنته بما لدينا وتشويه الحقائق ولي أعناق الوقائع، كل ذلك لتكبير الهوة بين السعودي ووطنه، وتنمية شعوره بالفخر لكلٍ شيء ينتمي للإسلام بشرط أن يكون خارج السعودية!! ولذلك كان رموز الصحوة يرددون دوماً قول الشاعر: وأين ما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني ونجح الخطاب في شحن المناهج المدرسية بفكرة الانتماء الأممي، وتغييب فكرة الوطن فأصبحت مناهجنا تتحدث عن كل شيء وعن كل وطنٍ في أرض المسلمين باستثناء وطننا!! وأصبح السعودي يهتم لأمر المسلم في أفغانستان وكشمير والبوسنة أكثر مما يهتم لأمر المسلم السعودي الذي يسكن بجواره، وأصبحت مصلحة هذه الجهات الخارجية أهم لديه وأسمى من مصلحة وطنه، فأصبح يذهب لكل مكانٍ يكون فيه قتالٌ بغض النظر عن مصلحة وطنه في هذا النزاع، وهذا الغياب لمفهوم الوطن في مقابل الحضور الطاغي لمفهوم الأممية كان من أهم أسباب سهولة تجنيد السعوديين والزج بهم في كل نارٍ تشتعل على هذا الكوكب. وحين النظر إلى بعض رموز الصحوة وطريقة تعاملهم مع أحداث الداخل وما يشابهها في الخارج سنجد عجباً وحيرة لا تنتهي، فهذا الدكتور ناصر العمر أحد أشهر قادة الاحتسابات العبثية في الداخل، الذي لم يترك مناسبة دون أن يضع بصمته الاحتسابية عليها، هذه المناسبات تشمل معارض الكتب واحتفالات الأعياد وابتعاث الفتيات وعمل المرأة وغيرها كثير، فالدكتور ناصر العمر يزور بعض الدول القريبة ويلتقي بكبار المسؤولين فيها دون أن يمارس الاحتساب والإنكار، بل يعود إلى وطنه وهو يلهج بالثناء والشكر لهم على تطبيق الإسلام وتعظيم أوامر الشريعة، حيث لم يشاهد ناصر العمر أي اختلاطٍ في تلك الدول! ولم يشاهد التبرج والسفور في أسواقها! ولم يلفت نظره قيادة المرأة السيارة في شوارعها! ولم يشاهد امرأة تعمل في مكان مختلط! حيث لم يشاهد فضيلته -رعاه الله- إلا المساجد ودور العلم ومظاهر التقوى! والسؤال لناصر العمر لو كان نصف هذه المشاهد أو ربعها في الرياض أو جدة ماذا كنت ستفعل؟ وكيف كنت ستحتسب؟ وأنت صاحب المحاضرة الشهيرة «خرقٌ في سد مأرب» حينما تم دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة التربية والتعليم!! ثم هذا الدكتور سعد الشثري الذي أشغل الناس بالحديث عن الاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» يخطب في مساجد بعض الدول الخليجية ويقيم المحاضرات والدروس ويظهر في قنواتها التليفزيونية، ثم لا يتحدث عن الاختلاط في التعليم هناك، ولا يستفزه الأمر كما يستفزه حينما يحدث هنا!! وهذا الدكتور محمد العريفي الذي أسلم الصيني على يده في ثلاث دقائق في مشروع قطار مكة! الذي لم يترك أمراً إلا وتناوله بالدرس والتحليل بدءاً بالغدة التي نسى اسمها التي تؤثر على رجاحة عقل المرأة وتمنعها من قيادة السيارة! ونهاية بالهدايا الدعوية لنجوم ونجمات الإعلام غير السعوديين بقصد هدايتهم طبعاً، محمد العريفي الذي يظهر في بعض القنوات التليفزيونية بشكلٍ دائم ثم لا يعلن اعتراضه على شيء، ولا يفكر في دعوة الغربيين والصينيين المقيمين في تلك الدول إلى الإسلام، ثم يذهب إلى تركيا فيشيد بتطورها وصلاح أهلها وحسن تدينهم، دون أن يقع نظره على محلات بيع الخمور أو الفنادق والمنتجعات التي تقدم جميع أنواع «المتعة»، ولا يصادف أبداً أن يرى امرأة تقود سيارتها في تركيا فيراجع نفسه بشأن الغدة التي نسي اسمها التي تمنع المرأة من أن تقود سيارتها، أو المطالبة بمساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات! وهذا الدكتور أحمد راشد سعيد الذي أزعجنا بالحديث عن النظام في تركيا وحزب العدالة والتنمية، وعن سفينة مرمرة ورحلتها التاريخية العظيمة! ومطالبته الدول بالاقتداء بالنظام في تركيا لنصرة الإسلام! أحمد راشد سعيد الذي لا يذكر مطلقاً وجود سفارة إسرائيلية في تركيا! ولا يتحدث مطلقاً عن حجم التبادل التجاري الكبير بين تركيا وإسرائيل! ولا يتحدث عن فضائح الفساد التي طالت رؤوساً كبار في حزب العدالة والتنمية! فهذا الدكتور مشغولٌ بقناة العربية وبتفكيك خطابها!! هذه النماذج التي تحتفي بكل شيءٍ تراه في الخارج خصوصاً في الدول ذات التوجه الإخواني، هي نفسها التي تنتقد كل شيء في داخل السعودية، حتى ليخيل إلى المستمع لخطابهم عن الداخل أنّنا مجتمعٌ جاهلي لا يعرف الإسلام! وقد غفل هؤلاء عن أن الإسلام نبع من هذه الأرض وهو باقٍ فيها إلى قيام الساعة، وأنّ الوطن بحكومته وشعبه ليس بحاجة إلى من يدخلهم في الإسلام مرة أخرى! هذا الوطن الذي لا ننكر وجود الأخطاء فيه، ولا ننكر القصور فيه ولا النقص الذي يعتريه، هو قيمتنا العليا التي يجب أن نفتخر بها ونراهن عليها، وأحمقٌ من يظن أن حب هذا الوطن الذي هو أرض الرسالة الخالدة يمكن أن يتعارض مع إسلامنا وفخرنا بديننا، ومن شاء أن يغادرنا إلى تلك الدول فليذهب غير مأسوفٍ عليه.