×
محافظة الرياض

تركي بن عبدالله يوجه بسرعة إصلاح كسر خط المياه المغذي لجنوب الرياض

صورة الخبر

في مدينة صغيرة أو هي قرية كبيرة في شمال اسكتلندا تسمى (Auchterarder) أوخترادر كان المقهى الهادئ يتجه إلى إقفال أبوابه إذ لم يتبق على التاسعة سوى ربع ساعة، وبينما كنت منهمكا في القراءة سمعت ضجيج احتفال على مقربة مني، فالتفت لأرى الجميع يتحلقون حول صبية يباركون لها ويقدمون لها كيكة صغيرة احتفالا بها. سألت النادل: ما المناسبة؟ زواج أم خطوبة، أم عيد ميلاد؟ رد علي بأن زميلتهم (إيريس) قد استطاعت بعد تسلمها أجرة الأسبوع أن تكمل رسوم دراستها للماجستير، وأنها من سنتين تعمل من أجل توفيرها لتحقق حلمها بدراسة التاريخ. أشهد أنني فرحت معهم لزميلتهم الشابة. وما استرعى انتباهي أنها ليست فتاة ارستقراطية لتدرس تخصصا يعتبر في بعض البلدان بذخا، كما أن حاجتها لم تدفعها إلى دراسة مالا تحب من أجل الحصول على وظيفة. ولأنني بعيد عن الأخبار والقنوات العربية في محاولة لعمل ما يسمى "ديتوكس" ذهني، فقد أيقظني زميل برسالة تحمل تغريدة لشخص اسمه حمدي الزايدي يقول فيها: "أي غبي يرفض التصويت للسيسي عليه بزيارة ليبيا ليوم واحد"، وعندما تابعت أخبار ليبيا شهدت بالله أيضا أن صاحب التغريدة أطلقها من حسرة وألم ومعاناة تعيشها ليبيا، ذلك البلد الذي لم نعرفه إلا وهو أشتات. ليس من واجبي وأنا اكتب أن أكون وصيا على أحد، ولا تتمثل مهمتي الكتابية في تقديم خطب موعظة للقراء، ولكن من حق القارئ علي أن أفكر معه بصوت مسموع في هموم مشتركة. وأعترف أنني كنت أواجه بتفكيري المعلن الكثير من الغمز واللمز بالتطبيل، وكنت أدرك تماما أنها الطريقة الوحيدة لمصادرة رأي يغرد خارج سرب التآمر، فقد بلغ حينها استهداف أمن المملكة مبلغا خطيرا، ولم يعد مقبولا من أحد أن يعارض أجندات مغرضة عاثت فسادا في عقول الناس ومشاعرهم. الاستهداف لم يكن بالدعوة للخروج على إجماع الشعب، ولكنه اتخذ أنماطا وتكتيكات تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق غاية يصعب الإعلان عنها في غير وقتها. فالاطاحة بأي كيان تتطلب تعظيم الأخطاء وتعميم القصور واتهام كل من يعمل في الحكومة بالفساد، وكتبت محذرا سلسلة مقالات في هذه الزاوية. لقد أسرف البعض في زعزعة ثقة المواطنين بالدولة وغمط المنجز اليومي والتراكمي الذي يتحقق على الأرض، فإذا أرتج على أحدهم بارتكابه محذورا بإعلان معلومة قبل أوانها فإنه سرعان ما يتبعها بالدعاء للملك حفظه الله، على اعتبار أن ذلك يعطي تأشيرة مرور لسمومه وأنه مواطن هدفه الإصلاح. إن تعاظم مساحة السوداوية، وتفشي النقد الهدام لن يؤديا بحال من الأحوال إلى الإصلاح، خاصة وأنه يخرج على ألسنة وأقلام فاسدين كان الأولى أن يبدأوا بأنفسهم وينشغلوا بعيوبها؛ وإنما كان هدفه الحقيقي اقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بعجز الدولة عن الاصلاح، وحرمان الدولة من أهم مقومات البناء التنموي وهم الشعب عموما والشباب خصوصا، وبذلك يسهل تنفيذ أي مخطط يستهدف أمن واستقرار هذه البلاد. كنتُ على يقين أنه سيأتي اليوم الذي يثيب العقلاء إلى رشدهم، فقد انجرف كثير من الناس وممن يُظن بهم خير مع التيار سعيا وراء الشهرة والشعبية والتصفيق الحار، وكان للحزم دور في إيقاظ بعض الغافلين، وبالتالي أجد سعادة بالغة بالنهج الجديد والروح الأكثر إيجابية التي بدأت تأخذ مكانها في الصحف التقليدية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. وهذا لايعني بحال من الأحوال ألا ننتقد، فالنقد الهادف هو أساس تحسين الخدمات ومعاقبة المسؤولين عن التقصير، وإلى جانبه فإن تثمين الجهود يعطي طاقة محفزة للعاملين للمزيد من التطوير. لدينا الكثير من جوانب النقص والتقصير، ولكن العمل مستمر، ومسيرة الإصلاح لم تتوقف، وأهم ما يحقق ويعجل بالاصلاح أن نبدأ بأنفسنا مهما ندرت أخطاؤنا وتضاءلت عيوبنا. وأجدني اليوم مطمئنا إلى الحراك المتوشح بالعقلانية والتؤدة، لكن استخدام المتغيرات السياسية والاستناد على الأوامر والتنظيمات الحازمة لتصفية الحسابات الشخصية الفكرية أو السياسية، أو حمل الناس على رأي وموقف واحد لايخدم في نهاية المطاف التلاحم ووحدة النسيج الوطني. أحدنا لايستطيع السيطرة على أذواق أفراد أسرته، وفي الكثير من البيوت البار والعاق، لكنهم يبقون في نهاية المطاف أبناء الأسرة والبيت مظلتهم، وكذلك الحال على نطاق أوسع فالدولة مظلة من الحقوق والواجبات والحماية يتمتع بها ويخضع لها المواطن الصالح وغيره، وعلى الجميع تطبق الأنظمة؛ ولذلك فإن استغلال الظرف الحالي باختطاف المؤشرات الإيجابية في اتجاه لايخدم الأمن الوطني والمصلحة العامة لايقل ضررا عن أذى التيارات والجماعات التي تستهدف أمن هذه البلاد واستقرارها. ربما تعكس قصة (إيريس) وتغريدة الزايدي حالتين تستحقان حمد الله عليهما، وهناك المزيد مما يمكن لنا أن نتشبث به وأن يكون مكتسبا وطنيا نعض عليه بالنواجذ. المهم أن نفتح بصائرنا بالأمل لنرى بموضوعية ونتجاوب بعدل وواقعية.