رُبَّمَا يَكُونُ الخَامِسَ عَشَرْ مِنْ أِبْرِيْلِ يَوْماً أَكْثَرُ مِنْ عَابِرٍ لِلْآخَرِيْنِ، مِثْلَمَا كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِيْ ذَاتُ يَوْمٍ.. لَمْ أتَوَقَّفْ أَيُّ مَسَاءٍ سَابِقٍ عِنْدَ هَذَا اَلتَّارِيْخُ، وَلَمْ أَكُّنْ أَكْتَرِثُ لِلَمْلَمَةِ اَلشُّمُوْعِ مِنْ عَلَى قَارِعةِ الرَّصِيْفِ، رُبَّمَا كُنْتُ بِسَذَاجَةِ الْعَابِرِ أَمْضِي فِي الطرَّيْقِ، فَيَنْكُزَنِي شُعُورٌ خَفِيٌ بِدَاخِلِي، (أَنِّي لَسْتُ بِخَيْرٍ). مَعَ مُرورُ الْوَقْتِ أَصْبَحَ التَّارِيْخُ يَجْفِلَ مِنْ جَبِينِ صَبَاحِي، وَأَسْحَبُ مِنْ فَوقِهِ شُرْفَةُ نَهَارٍ لَا يَأتِي. *** كَانَ الْبَحْرُ وَالْأصْدِقَاءُ الَّذِيْنَ غَادَرُوا مَقَاعِدَهُمْ ذَاكَ الْمسَاءْ لَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءُ الَّذِيْنَ اِعْتَلُوْا الْمَنَصَّةَ بِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونْ حَدِيْثَ الظَّلَامَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُعَطِّلُونَ الْلَّيْلَ كَي لَا يَمُّر سَرِيْعًا بِثَرْثَرَتِهِمْ المْمِلَّةِ.. أَخَذَ الْبَحْرُ شُرْفَةُ صَدِيْقِي إِلَى الْرَائِحَةِ، فَمَا كَانَ مِنَ الْهَوَاءِ إِلَّا أَنْ تَوَقَّفَ عَنْ الْحَرَكَةِ، لَكِنَّهُ ذَهبَ مُتَوَغِّلاً فِي الْمقْهَى يَبْحَثُ عَنْ فِنْجَانٍ يُؤَجِّلُ بِهِ ذَاكِرَة قَادِمَة. *** عَلَى الطَّاوِلَةِ نَثَرَ شُمُوعَهُ، وَدَخَلَ فِي الْعُتْمَةِ بِكَأْسِ نَبِيْذٍ عَابِر.. رَاحَ يُزْهِرُ الْقَنَادِيْلَ بِقَدَّاحَةٍ مُهْتَرِئَةٍ.. الشَّمْعَةُ الأُولَى: ضَوْءٌ يَنْبَثِقُ مِنْ سَقْفِ الْغِيَابِ، دَمْعَةٌ تَتَسَاقَطُ عَلَى جِدَارِ الْوَقْتِ، تَتَلَحْفُ فِي قَدَمٍ تَعَثَّرَتْ بِالطَّاوِلةِ، َوَكَعَادَتَكَ عِنْدَمَا تَهِّمُ بِالْحَرَكَةِ تَصْطَدِمُ بِأَطْرَافِ المْقَاعِدِ. الشَّمْعَةُ الثَّانِيَةِ: فِي الْكَأْسِ الثَّالِثَةِ تَتَجَرَعُ مَرَارَةُ الصَّمْتِ وَتَقِفُ عِنْدَ قَارِعَةُ الضَّوْءِ.. جَاهِدًا تُْبعِدُ فِكْرَةَ (الْعُمْرِ)، َوتُحَاوِلُ إِيْقَافَهُ عَلَى حَافَةِ الطَّاوِلَةِ، لَكِنَّهُ يَعْبُرُ بَيْن َ أَنَامِلَكَ مُتَجَمِّداً فِي الْهَوَاءِ. الشَّمْعَةُ الثَّالِثَةِ: عَيْنَاكَ تَجْحَضَانِ فِي الْفَرَاغِ، رَاحَةُ يَدَيْكَ تَدْعَكُ هَوَاءً عَابِراً، تَصْطَادُ الْفَرَاشَاتَ فِي زُرْقَةِ النَّهَارِ، وَتَذْهَبُ لِشَخْصِيَّاتِكَ الْافْتِرَاضِيَّةِ، َوتُشْعِلُ ذَاكِرَةُ الضَّوْءِ. الشَّمْعَةُ الرَّابِعَةِ: كَانَ البَيْتُ العَتِيْقِ يَتَحَرَّكُ بِدَاخِلِكَ، لَمْ تَكُنْ الْأعْمِدَةُ تَحْجِبُ التَّارِيْخَ عَنْكَ حِيْنَهَا، حَاوَلْتَ أَنْ تَقْذف كَأْسَكَ بَعِيْداً فِي َجوْفِ النَّهَارِ، لَكِنَّكَ تَجَرَّعْتَ المَرَارَةَ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَدَفَقَتَهُ فِي مَعِدَةٍ خَاوِيَةٍ. الشَّمْعَةُ الخَامِسَةِ: مُتَرَنِّحَاً بَيْن َكِذْبَةُ التَّارِيْخِ وَالأَصْدِقَاءِ.. ضَحَكَاتُكَ المُجَلْجِلَةُ، تُْوقِظُ الشَارِعَ مِنْ نَوْمِهِ، تُحَرِكُ أَنَامل السُّكُونِ بِعَيْنَيْكَ الْهَارِبَةُ. الشَّمْعَةُ السَّادِسَةِ: تَتَوَقَفُ عَنْ عَدِّ الْكُؤُوسَ بَيْن َيَدَيْكَ، تَأْتِيْكَ الشَّوَارِعُ وَالْحَانَاتُ بِدَاخِلِكَ، لِتَذْهَبَ فِي أَعْمَاقِهَا رَقْصَة أَفْرِيْقِيَّةٌ مُتَأَرْجِحَةٌ بَيْن َنَارَيْنِ. تُلَوِّحُ بِيَدَيْكَ وَابْتِسَامَتَكَ الصَّفْرَاء وَتُلْقِى القَنَادِيْلَ فِي البَحْرِ وَاحِدًا تلو الآخر.. *** مَا عَادَ لِلشُّمُوعِ عَدَدٌ حَيْثُ الرَّائِحَةُ الَّتِي أَزْكَمَتْ أَنْفُ الطَّرِيْقِ، خَمْسُ نَبَضَاتٍ مُتَسَارِعَةٍ تَضْرب أَعْمَاقَ جَسَدِكَ المُسَجَى عَلَى طَاوِلَةِ الاِنْتِظَارِ.. تُعِيْدُ تَمِيْمَةَ الشُّمُوعِ، مَرَّة عَلىَ شَكلِ حُرُوفٍ مُبَعْثََرةٍ، وَمَرَّة قَلْبٍ مُحْتَرِقٍ، لَكِنَّهَا الذَّاكِرَةَ.. أَوْقَدْتَ عُشْرُونَ شَمْعَةٍ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ الْحَرَائِقَ.. *** تُغْمِضُ عَيْنَيْكَ عَلَى سَوَادِ الْمكَانِ، تُتَمْتِمُ بِقَصَائِدٍ جَنَائِزِيَّةٍ لِتَعْبُرَ بِهَا طَقْسَ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ.. أَيُّهَا الْعَابِرَ فِي هَذَا اللَّيْلَ خُذْ تَمَائِمَ الرُّوحِ لمَلِمْ أَصْدَافَ الوْقْتِ وَبَعْثِّرْهَا فِي تُرْبَةِ الرَّمَادِ. *** اَلْمقْهَى ظَلَّ سَاكِناً اَلرَّائِحَةُ تَزْدَادُ عُفُونَةٌ كُلَّمَا اقْتَرَبَ نِيْسَانُ لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ يَأْتِي بَلْ غَادَرَ الطَّاوِلَةَ تَارِكَاً مَسَافَةً بَيْن َالْإِبْتِسَامَةَ وَ«نَيْسَانِ» جَعَلَ مِنِّي مُجَرَّدَ دُمْيَّةً تَبْحَثُ عَنْ مَخَارِجَهَا فِي الْحَانَاتِ وَالْمَشَارِبَ. الْخَامِسْ عَشَرَ مِنْ إِبْرِيلِ.. لَمْ يَعُدْ يَحْتَمِلُ كِذْبَةُ «نَيْسَانِ»، لَكِنَّهُ أَصْبَحَ فَضَاءً يُعِيْدُ تَشْكِيْلَ النار الْمتَرَنِّحَةَ فِي حَانَاتٍ صَفْرَاءٍ عَلَّقَتْ عَلَى ذَاكَرَتِهَا بُرُوجَ الْحَمَامِ. > شاعر وصحافي سعودي. آفاق