ها هو العيد يشرق علينا من جديد ولكن بوجه مختلف غير الذي عهدناه، أين ذلك العيد الذي كنا نشعر به بقلوبنا قبل أجسادنا؟ يوم كنا أكثر ألفةً وأكثر تلاحماً، حينها كانت القلوب ملؤها الصفاء والراحة. العيد في أيام قد خلت كان يعلمنا أن نصل من قطعنا، وأن نجدد قلوبنا قبل لباسنا، فما الذي تغيَّر؟ أهو العيد أم نحن الذين فقدنا الشعور به؟ أين لهفة الانتظار؟ وأين هو الفرح والسرور لقدومه؟ للعيد في سابق عهده طعم وسمة مختلفة، أما الآن فقد أثر على روح العيد التطور المذهل في وسائل الاتصال الحديثة، والتواصل الإلكتروني الاجتماعي. لقد أكثرنا من استخدام الرسائل الإلكترونية وبشكل مفرط، حتى تثاقلنا عن تهنئة الآخرين شفهياً حتى عبر الهاتف أو الجوال، فضلاً عن الزيارات الأسرية، وأصبحت الرسائل الإلكترونية هي السمة العامة في الأعياد والمناسبات، فلماذا نحن نختبئ خلف رسائلنا كأننا أجساد متفرقة بلا روح. إن وسائل التقنية الحديثة أنستنا أن المقصد الأول من العيد هو الإحساس بروح التواصل الأسري والاجتماعي؛ فالرسالة عبر الهاتف المحمول لن تنقل حرارة الشوق ولا دفء المشاعر. والعيد هذه السنة مختلف أيضاً؛ لأن فيه شيئاً من الحزن والألم، فالعالم العربي يعيش متغيرات اجتاحته من كل صوب وحدب، البعض منه ما زال مضطرباً، والبعض الآخر لم يجد الطريق الصحيح بعدُ، وكأن لسان حاله كحال المعتمد بن عباد حين قال: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا نحن جزء من جسد الأمة العربية والإسلامية، ورسالة العيد واضحة: نحن جسد واحد وعيدنا واحد، ولذلك علينا ألا ننسى إخواناً لنا يعيشون في شتى بقاع الأرض، منهم الفقير والمظلوم، وفيهم المحروم والمغترب عن الأوطان، فإذا عجزنا أن نقدم لهم العون فلا أقل من أن نشعر بهم وندعو لهم. ولنا أيضاً في تلك المشاهد والأحداث التي أصابت جسد الأمة عظة وعبرة؛ إذ لا بد أن نعي جيداً أننا -ولله الحمد- ننعم بالأمن في وطننا، بينما يُتخطف الناس من حولنا. وقد يبدو للبعض أن ذلك أمر طبيعي وبديهي، ولكن علينا أن نبصر الحقيقة جيداً، وهي أن كثيراً من الناس يفتقدون الأمان، بل البعض منهم ليس له وطن يحضنه. إن الأمان في الوطن نعمة عظيمة لا يعرف قدرها وحقها إلا من فقدها. وكل عام والأمة العربية والإسلامية بخير وعافية، وأعاده الله علينا بالصحة والأمان.