أكد عدد من الباحثين والمهتمين بإشكالية المسؤولية الاجتماعية أن المفهوم الخاص بها هو وليد لمتطلبات التنمية المستدامة والشراكة في التنمية الاقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة بهدف إيجاد ودعم برامج اجتماعية واقتصادية وثقافية مستدامة مستقاة من الاحتياجات والأولويات الوطنية، وقال عدد منهم إن ذلك يعني الاستثمار الأمثل في الموارد البشرية، وإيجاد فرص عمل وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة جنباً إلى جنب مع حل المشكلات الاجتماعية والبيئية، وتعزيز التنمية المستدامة ومن هنا تكمن أهمية تطوير برامج المسؤولية الاجتماعية وفقاً لظروف المجتمع السعودي، واحتياجات أفراده، لا وفقاً لاحتياجات المجتمعات الأخرى. في دراسة له بعنوان: "المسؤولية الاجتماعية من منظور تنموي اجتماعي" يرى الباحث د. عبدالله بن ناصر السدحان وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للتنمية الاجتماعية: أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية من منظور تنموي اجتماعي يرتكز على قيمة أخلاقية بأن الجميع شركاء في التنمية، سواء كان منظمة أو فرد، حيث يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل، ما يعني أن المسؤولية الاجتماعية هي أمر لا يختص فقط بالقطاعات الحكومية أو القطاع الخاص أو الاهلي بل هي شأن كل فرد يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة به. وكمنظور تنموي تعتمد المسؤولية الاجتماعية إعادة منهجية الرعاية من المنح المالية المباشرة لتحسين مستوى الدخل والارتقاء برفاهية المجتمع ومواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ومن ناحية اخرى ونتيجة إلى هذه الأهمية كعامل محوري في برامج المؤسسات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص الاجتماعية والاقتصادية أصبحت المسؤولية قيمة تنافسية بين مختلف قطاعات المجتمع، وجزء من استراتيجية العمل، مشيراً إلى أن ما يشهده المجتمع اليوم من تحولات جذرية متسارعة في ظل الانفتاح المجتمعي جعل مسألة التنمية والتطور خاصة في المجال الاجتماعي رهينة بالقدرة على مواكبة العصر والقدرة على الإبداع في تنوع البرامج الموجهة للبنية المجتمعية والتي تلبي الاحتياجات المتغيرة والمتنوعة. وضرب د. عبدالله بن ناصر السدحان عدة أمثلة لمبادرات حصدت كثيراً من النجاح في المملكة، منها مبادرة سعت إلى مساعدة المواطنين للوصول الى الخدمات الاجتماعية المتاحة في المجتمع، عبر التعريف بأماكن وعناوين الجهات التي تقدم هذه الخدمات عن طريق تجهيز الأدلة التعريفية وتدريب الكوادر البشرية وتوفير خط هاتفي موحد وإنشاء موقع خاص بالمبادرة وتصميم تطبيق خاص بالمبادرة على الاجهزة الذكية، بالإضافة إلى مبادرات أخرى تسعى إلى تنشيط برامج الأسر المنتجة ومساعدتها على التسويق، والتوعية والتثقيف الاجتماعي والمساندة الاجتماعية للأسر في منازلها، وكذلك تأهيل المقبلين على الزواج وغيرها. المسؤولية وأخلاق العمل ولأن المسؤولية الاجتماعية لم تعد محصورة في مفهوم العمل الخيري والتبرعات، أجرى الباحثان د. ليث سعد الله حسين ود. ريم سعد الجميل بجامعة الموصل دراسة مشتركة بعنوان :" المسؤولية الاجتماعية تجاه العاملين وانعكاسها على أخلاقيات العمل "أشارا من خلالها إلى أن المعضلة الفكرية لأخلاقيات العمل في المنظمات تؤكد أن أخلاقيات الإدارة والعمل تكاد تكون القضية الصعبة والمهمة في منظمات الأعمال التي ترتبط بالأداء الاجتماعي الذي بدوره يعطي مؤشراً هاماً عن مدى استجابة المنظمات اجتماعياً وما تنجزه من أعمال ذات مسؤولية اجتماعية تجاه أفرادها العاملين، لذلك من الضروري النظر إلى الأخلاق كونها مبادئ معيارية وليست نظرية أو فلسفة أو أسلوب يعطي وصفا لأحكام معينة فضلاً عن أن صعوبة تحديد السلوك الصحيح من الخاطئ بات ينسحب إلى ظهور ما يسمى بمعضلة الأخلاق. وخلصت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: أن الاهتمام بالعنصر البشري أصبح المرتكز الاساسي لنجاح المنظمات وتحقيق اهدافها فضلاً عن الاهتمام بمفهوم آخر هو المسؤولية الاجتماعية التي كانت تعبر في الماضي خلال فترة الستينات عن تعظيم الربح أما في الوقت الحاضر فأصبح المفهوم يقترن مع الجانب الاجتماعي للمنظمة. كما أظهرت اظهرت نتائج تحليل ووصف متغيرات الدراسة أن غالبية فئات عينة البحث من الأطباء والفنيين والإداريين متفقون على أهمية أبعاد المسؤولية الاجتماعية تجاه العاملين في المستشفيات، وضرورة توفيرها خاصة الخدمات الصحية، ومنع تسرب العاملين بصفة مؤكدة، وبث الروح المعنوية لهم وحثهم دوماً على المزيد من العمل مع مراعاة فئات معينة من العاملين في عملهم كالأفراد كبار السن والنساء والشباب صغار السن، فضلاً عن الاهتمام بالحوافز، وتعويض إصابات العمل والعمل. مهام أخرى للمسؤولية وللتأكيد على الأدوار الكثيرة التي يجب أن تضطلع بها المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات أجرى الباحث أحمد الكردى استشاري التنمية البشرية دراسة بعنوان: "المسؤولية الاجتماعية للشركات "أكد خلالها أن الدور الرئيس الذي تلعبه الشركات، كونها المصدر الرئيس للثروة والتحديث وتوليد فرص العمل، يحتّم عليها القيام بواجباتها الاجتماعية وفقاً للمفاهيم الحديثة، كما أن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في عصر يتسم بالتغير السريع تحتّم عليها ذلك أيضاً. وأشار الباحث إلى أن الفهم العالمي لدور المسؤولية الاجتماعية جعل بريطانيا تلزم الشركات بالإبلاغ عن المسائل الاجتماعية والبيئية الضارة، كما جعل الأمم المتحدة تشجع مسؤولية الشركات الاجتماعية من خلال إنشاء مجموعة في نيويورك تُدعى "الميثاق العالمي"، كما أن العديد من الجامعات العالمية تضيف إلى برامجها الأكاديمية مقررات دراسية في مجال المسؤولية الاجتماعية. وكي تنجح الشركات في مهامها المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية فإن عليها وفقاً للدراسة أن تلتزم بثلاثة معايير تشمل: الاحترام والمسؤولية، بمعنى احترام الشركة للبيئة الداخلية (العاملين)، والبيئة الخارجية (أفراد المجتمع)، ودعم المجتمع ومساندته، وأخيراً: حماية البيئة، سواءً من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة، أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ومعالجة المشاكل البيئية المختلفة. ويضمن التزام الشركات بتلك المعايير قيامها بدورها تجاه المسؤولية الاجتماعية، ما يؤدي إلى دعم جميع أفراد المجتمع لأهدافها ورسالتها التنموية والاعتراف بوجودها، والمساهمة في إنجاح أهدافها وفق ما خطط له مسبقاً، إضافة إلى المساهمة في سدّ احتياجات المجتمع ومتطلباته الحياتية والمعيشية الضرورية، إضافةً إلى إيجاد فرص عمل جديدة من خلال إقامة مشاريع خيرية واجتماعية ذات طابع تنموي.