«الكدادة» الذين يعرضون أنفسهم للغرامة حين يقومون بنقل الركاب بين مدن المملكة في سياراتهم، هؤلاء الكدادة لا أعتقد أنهم من الهند أو من الفلبين، وقبلهم كان، وربما ما زال، كثير من شبابنا يعتمدون على استعمال سياراتهم في نقل الركاب داخل المدن التي يقطنونها كمصدر وحيد للرزق أو مصدر داعم للرزق حين لا يجدون في رواتبهم ما يسد حاجتهم ويكفي متطلبات الحياة اليومية. وإذا كان ذلك كذلك لا يصبح هناك معنى لما قاله رئيس لجنة النقل في مكة المكرمة من أن «ثقافة العيب» هي التي تقف وراء عزوف المواطنين عن العمل في قيادة الحافلات خلال موسم الحج والعمرة وهو الأمر الذي يضطر شركات ومؤسسات النقل الموسمي إلى الاعتماد على الاستقدام ومن ثم فشلها في تحقيق نسبة السعودة التي من المفترض أن تحققها. وإذا كان رئيس لجنة النقل قد حاول تدعيم ما توهمه من أن ثقافة العيب هي السبب وراء هذا العزوف بذكر أسباب أخرى منها صعوبة العمل وضرورة الالتزام وهي أسباب تطعن في قدرات الشباب من ناحية ومقدرتهم على الالتزام من ناحية أخرى وتصبح مجرد حجج واهية إذا علمنا أن قدرة شبابنا مكنتهم من العمل في ظروف قاسية في حقول النفط على سبيل المثال حين وجدوا الأجر الذي يكافئ ما يواجهونه من مشقة في العمل، كما أن قدرة شبابنا على الانضباط هي التي مكنتهم من إدارة الأعمال البنكية والمختبرات على سبيل المثال أيضا. غير أن أعجب الأسباب التي أعاد إليها رئيس لجنة النقل عزوف الشباب عن تلك الوظائف ما أشار إليه من أن هذه الأعمال تتطلب وقتا طويلا من العمل يزيد على ١٢ ساعة يوميا، وهو سبب لا يكشف لنا سر العزوف فحسب بل يكشف أمرا آخر يتمثل في تزايد حوادث السيارات خلال مواسم الحج والعمرة، كما أنه سبب يفرض تدخل الجهات المسؤولة لمنع شركات ومؤسسات النقل من إلزام سائقي الحافلات بالعمل ساعات طويلة يفقد خلالها السائق قدرته على التركيز ويعرض نفسه ومن معه لخطر الحوادث المرورية التي كشف لنا رئيس لجنة النقل عن سبب رئيسي فيها دون أن يشعر. وإذا كانت شركات ومؤسسات النقل تحمل موظفيها على العمل هذه الساعات الطويلة معرضين أنفسهم ومن معهم للخطر فإن مما يحسب لشبابنا أن يعزفوا عن الالتحاق بهذه الوظائف حماية لأرواحهم وأرواح الحجاج والمعتمرين.