«ذهب والدي لتفقد محلنا في أحد أحياء حمص القديمة بعد خروج الثوار، ففوجئ بأن البضاعة فيه لا تزال على حالها، على الرغم مما لحق بالمحل من دمار، وذهب يبحث عن عربة وشخص يساعده لنقل ما أمكن من بضائع، لكنه عندما عاد وجد المحل أفرغ تماما»، يقول أحمد الشاب الحمصي. ويضيف «جاء العفيشة وسرقوا كل شيء، وبينما كان والدي يهم بالخروج مع رفيقه من الحي أوقفهما حاجز جيش الدفاع الوطني وصادر منهما العربة الصغيرة». هذه واحدة من مئات القصص التي يرويها أهالي الأحياء المحاصرة في حمص الذين عادوا لتفقد ممتلكاتهم بعد انسحاب المقاتلين، فالدمار الهائل الذي لحق بتلك الأحياء لم يمنع من يطلق عليهم في سوريا اسم «عفيشة» من الزحف إلى تلك الأحياء ونهب ما تقع عليه أيديهم من البيوت والمحلات المدمرة بشكل جزئي. وتروي نادية أنها عادت إلى بيتها فوجدت نصفه مدمرا، فراحت تبحث بين الركام وتمكنت من انتشال أغراض تملأ حقيبة، فأغلقتها ووضعتها جانبا لمتابعة البحث عن أغراض أخرى. وبعد أقل من نصف ساعة عادت فوجدت الحقيبة سرقت. فجلست تبكي وهي متعفرة بالتراب بعد يوم كامل من البحث، عندها مر بها رجل جاء أيضا لتفقد بيته فرمى لها قطعة نقود ظنا منه أنها تتسول. ومضى في طريقه دون أن يلتفت إليها أو يسمع منها تأكيدها أنها ليست بحاجة للنقود بل لأغراضها وذكرياتها وبيتها الذي دمر ونهب أمام عينيها. و«التعفيش» و«العفيشة» كلمتان مشتقتان من «عفش» أي أثاث المنازل. و«العفيشة» صار أخيرا مصطلحا سوريا يطلق على اللصوص الذين يدخلون الأحياء بعد اقتحامها من قوات النظام لنهب أثاث البيوت كغنائم حرب. ويأتي العفيشة من المناطق الموالية للنظام ويدخلون تحت أنظار عناصرها إلى تلك المناطق المقتحمة، ويجردون المنازل من كل ما يمكن نقله. إلا أن هذه العملية تنفذ على مراحل، الأولى تكون عند تمشيط قوات النظام الأحياء لتفكيك العبوات الناسفة، وفي هذه المرحلة يسرق النحاس والمعادن الثمينة والأدوات الكهربائية والإلكترونية خفيفة الوزن وغالية الثمن. وفي الثانية يسمح لكبار عصابات «العفيشة» بالدخول وسرقة ما غلا ثمنه من أثاث، وفي الثالثة يسمح بدخول الجميع واستباحة المنازل بالكامل حيث تأتي عصابات متخصصة في نزع خشب الأبواب والنوافذ لتتبعها عصابات أخرى متخصصة في سحب الأسلاك الكهربائية النحاسية من الجدران لتباع بالكيلو بعد إذابة غلافها البلاستيكي. ويتذرع النظام عبر السماح للصوص بالسرقة بأن هذه البيوت المدمرة ستجرف، ومن الأفضل الاستفادة من «العفش» الموجود. وترد رزان على هذه المزاعم بأن «العفيشة» لا يوفرون أي بيت سواء كان مدمرا أو غير مدمر، فمنزل والدتها في حي الحميدية سرق أمام أعين أصحابه. وتقول «عندما وصلت والدتي وشقيقي إلى البيت ولم يكن متضررا كثيرا، كان العفيشة ينقلون البراد. وحاول أخي منعهم دون جدوى، فأخذوا البراد والغسالة. ثم ذهب شقيقي إلى الحاجز النظامي وأبلغ عناصره بالأمر فلم يتحرك أي أحد». ويشار إلى أن أسواقا كبيرة افتتحت في الأحياء والقرى الموالية للنظام تباع فيها المسروقات، ويطلقون عليها اسم أسواق «السنة»، أي الأغراض المنهوبة من بيوت المسلمين السنة. «حسان م.» تفقد بيت عائلته الذي يعود تاريخه إلى أكثر من مائة عام. ويقول «كل شيء مخرب، والعفيشة لم يتركوا خلفهم برادا ولا غسالة ولا غازا ولا طناجر نحاس ولا قطعة كهربائية ولا كرسيا ولا أي شيء على الإطلاق، حتى الملابس. سرقوا كل شيء». ويشير إلى أن جيرانه سبقوه إلى الحي وتفقدوا البيت قبل وصول العفيشة، وأخبروه بأن «هناك دمارا في البيت، لكن كل شيء ما زال مكانه، وأن الثوار لم يلمسوا ملعقة، ما عدا مواد المونة وكل ما يؤكل». ويتابع «بقدر ما فرّحني بقاء أغراض البيت بقدر ما شعرت بالقهر والحزن والغضب عندما وصلت في اليوم التالي ووجدته منهوبا من حماة الديار». و«التعفيش» ظاهرة ليست جديدة بعد اندلاع الأزمة السورية، إذ وقعت في جميع المناطق التي تمكنت قوات النظام من السيطرة عليها، إلا أن أكبرها كان العام الماضي في القصير في ريف حمص ثم يبرود بالقلمون بريف دمشق وفي عدة بلدات في ريف درعا وفي منطقة العتيبة في الغوطة الشرقية ومناطق أخرى، وآخرها في حمص القديمة. وانشغل السوريون أخيرا بتناقل غرائب صور وأخبار «التعفيش» في حمص، وأطلق ناشطون اسم «عافش» تندرا على قوات النظام لتنسجم مع اسم «داعش» مختصر «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، و«حالش» الاسم الذي سبق أن أطلق على حزب الله اللبناني الذي يحارب إلى جانب قوات النظام في سوريا. كما نشروا صورة لنصب تذكاري يظهر جنود النظام وهم يحملون برادات ومراوح وأدوات منزلية، بالإضافة إلى عشرات الصور التي التقطت لجنود يرتدون الزي العسكري وهم يجرون طباخا في حمص، وسيارات جيب عسكرية تنقل فرشات وبرادات مسروقة. وغزت النت تعليقات ونكات وقصائد ساخرة عن التعفيش منها «لا تترك البراد وحيدا.. للشاعر محمود عفيش»، في تحوير لقصيدة الشاعر محمود درويش «لا تترك الحصان وحيدا».