بغداد: «الشرق الأوسط» في وقت دعت فيه المرجعية الشيعية في العراق الكتل السياسية إلى تشكيل حكومة بعيدة عن المكاسب وتقاسم السلطة، استبقت هذه الكتل نتائج الانتخابات البرلمانية المقرر إعلانها في غضون الأيام القليلة المقبلة، وذلك بجس نبض الخصوم والشركاء معا، قبل البدء بخوض المباحثات التفصيلية. وكان ممثل المرجع الشيعي الأعلى في كربلاء عبد المهدي الكربلائي قد طالب خلال صلاة الجمعة، أمس، الكتل السياسية بـ«تحالفات لتشكيل الحكومة وفق معايير مهنية لإحداث التغيير، وليس لتقاسم مناصب الدولة». وقال الكربلائي: «تدور خلف الكواليس هذه الأيام محاولات بين الكتل السياسية للتحالف من أجل تشكيل الحكومة المقبلة»، مشددا على ضرورة أن «تكون دوافع هذه المحاولات للوصول لتفاهمات تعجل بتشكيل الحكومة وفق معايير مهنية صحيحة، لإحداث التغيير المنشود، لا أن تكون من أجل مكاسب أفضل، ولتقاسم مناصب الدولة ومواقعها»، محذرا من «الدخول في دوامة المساومات السياسية التي تفقد اعتماد المعايير المهنية في تشكيل الحكومة ووزاراتها، وتبتعد عن معيار الكفاءة والنزاهة». وفي هذا السياق، أكد الأستاذ في الحوزة العلمية، والمقرب من المرجعية الدينية في النجف، حيدر الغرابي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المرجعية الدينية عودتنا على أن تكون الأب للجميع، وهي في كل توجيهاتها ونصائحها وتحذيراتها تقف على مسافة واحدة من جميع الكتل والقوى والأحزاب، وذلك من منطلق تأديتها لوظيفتها الشرعية، حيث إنها ترى أن المجتمع العراقي لا يزال يحتاج إلى من يعرفه بمصلحته الحقيقية، وكان هذا هو الأساس في دعوتها للتغيير»، مشيرا إلى أن «دعوة المرجعية للتغيير باتجاه اختيار الأصلح لم تكن تقتصر على فئة دون فئة، ولا قومية أو مذهب دون آخر». وأضاف أن «السنوات الماضية أثبتت أن الإدارة فاشلة وغير مدركة لواقع حال المجتمع، ولذلك عم الفساد وانعدمت الخدمات بكل أشكالها، بالإضافة إلى فقدان العراق لدوره الإقليمي». وأكد أن «المرجعية تريد أن ترى تغييرا في الوجوه والمنهج يطال كل المناصب والمواقع المهمة في الدولة». في سياق التحركات فإن زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم يبدو هو الأكثر فاعلية في تحديد معالم الخارطة السياسية المقبلة، في البلاد، من خلال تحركاته ولقاءاته مع زعماء الكتل والأحزاب التي شملت حتى زعيم ائتلاف دولة القانون، ورئيس الوزراء نوري المالكي، برغم الخلافات الشديدة بين الطرفين، لا سيما على صعيد إصرار الحكيم وكتلته «المواطن» على عدم التجديد للمالكي لولاية ثالثة. وكان آخر من التقاهم الحكيم هو زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، التي رفعت الانتخابات الأخيرة أسهمه بعد أن أعلن أنه يعد نفسه الفائز الأول في بغداد بحصوله على أكثر من 200 ألف صوت، بينما تضاربت الأنباء بشأن حصول المالكي على نحو 400 ألف صوت، أو 700 ألف صوت في بغداد، وهو ما عدّه علاوي جاء «بسبب امتلاكه المال والسلطة والنفوذ بمن في ذلك توزيع 300 ألف قطعة أرض سكنية خلال شهر الحملة الانتخابية». قال بيان للمجلس الأعلى الإسلامي، صدر عقب لقاء الحكيم وعلاوي، وبحضور الدكتور أحمد الجلبي، أحد من جرى تداول اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة، إن «الحكيم شدد على أهمية أن تتسلح الحكومة المقبلة بالفريق المنسجم والرؤية الواضحة والبرنامج المتفق عليه»، عادّا تشكيل الفريق المنسجم من القوى الأساسية الضمان لخروج العراق من أزماته التنموية والخدمية والأمنية، مثمنا زحف الجماهير المليوني نحو صناديق الاقتراع. وأضاف البيان أن «علاوي أشاد من جانبه برؤى الحكيم حول تشكيل التحالف الوطني بطريقة مؤسساتية»، وعدّ هذه الرؤية كفيلة بالانطلاق نحو بناء العراق، مشددا على تعميق النهج الديمقراطي في المجتمع، وإيصال العراق وشعبه لبر الأمان، مؤكدا تطابق رؤاه مع رؤى ائتلاف المواطن لتحقيق شراكة وطنية رصينة. من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى بليغ أبو كلل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المجلس شكل لجانا رسمية للتفاوض مع جميع الكتل من أجل بلورة رؤية واضحة بشأن برنامج العمل المقبل باتجاه تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن». وأضاف أن «المجلس الأعلى شكّل لجنة مركزية تشرف على هذه اللجان الفرعية التي سوف تبدأ مفاوضات مع الجميع دون استثناء»، مبينا أن «المجلس الأعلى الذي عرف بسياسة مد الجسور مع الجميع يكاد يكون الوحيد اليوم الذي يستطيع أن يتزاور مع الجميع، ويستمع إلى وجهات نظرهم، ويطرحها على الآخرين، بغية الوصول إلى تفاهمات مشتركة تسرع في تشكيل الحكومة، لكي تتمكن من تنفيذ البرنامج، الذي يجب أن تتعهد به أمام البرلمان والشعب». وكانت قد جرت، الأسبوع الماضي، لقاءات في أربيل بين عدد من القيادات السياسية، في حين شكل التحالف الكردستاني وفدا موحدا للتفاوض مع الكتل السياسية في بغداد، في وقت يترقب فيه الجميع ظهور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التي جرت في الـ30 من شهر أبريل (نيسان) الماضي.