دأب الكثير من الأغنياء والمتمكنين من الإمارات ودول الخليج على ابتياع آثار وأعمال فنية من الغرب لعرضها في المتاحف والمعارض الفنية في بلادهم أو تزيين بيوتهم ومكاتبهم بها. كثيرا ما لاحظت بعض الغربيين، بل وبعض المواطنين العرب أيضا، يعلقون على ذلك بنقد. يقولون ماذا يفعل هؤلاء القوم بمثل هذه الأعمال؟ وكيف سيحافظون عليها ويصونونها من الحر والشمس والغبار؟ قلت لنفسي، يا سبحان الله! لا يسلم العربي من لسانهم حتى عندما ينفق ماله على الحلال من فن وفكر. الواقع إن هذا ما فعله الغربيون أنفسهم. فجل ما نراه أمامنا في متاحفهم، في اللوفر بباريس والناشيونال غاليري في لندن، استورده أغنياؤهم وسفراؤهم من إيطاليا وإسبانيا، عندما كانتا أكثر حضارة من بلادهم. وإذا كان إخواننا من الخليج قد دفعوا مبالغ طائلة للحصول على هذه التحف بالحلال الصافي، فهناك من الإنجليز والفرنسيين والألمان من أخذوا هذه التحف من دون وجه حق وجاءوا بها إلى عواصمهم في حروبهم المستمرة. لم يشتروا إلا الجزء الضئيل منها. ولم تكن شعوبهم عندما جاءوا بهذه الأعمال أكثر ثقافة وعلما وذوقا من إخواننا في الخليج. ولكنهم بمرور الزمن تعلموا منها وراحوا يحاكونها حتى ساد فن الرنسانس الإيطالي عموم القارة. وكانت هذه هي الخطوة الثانية نحو انطلاقة الفن الأوروبي الكلاسيكي ثم الحداثي في الدول الغربية كما نراه اليوم في متاحفهم ومعارضهم وقصورهم. وكله بوحي ما شاهدوه وتعلموه من إيطاليا. ويظهر أن هذه هي الخطوة الثانية التي يعتزم أبناء الخليج السير في مشوارها، في التعلم من هذه المعروضات ودراسة مدلولاتها واستيحاء ما يرونه منها في أعمالهم. وكان من آخر ما سمعته في هذا الصدد، القرار الذي أعلنه الشيخ محمد بن راشد في دبي في إطار برنامج «دبي تتحدث إليك». الفكرة من ورائه مناشدة أصحاب الفن والذوق والهندسة والتصاميم عموما في الإمارات والمنطقة العربية الواسعة. الهدف هو مزاوجة الأعمال الفنية بالنشاط العمراني الحالي على قدم وساق في دبي، بحيث يكون هناك وجود للذوق الرفيع والفن الجميل في كل ما يتم تشييده هناك. والواقع أن هذا شيء تحتاجه دبي بصورة خاصة للرد على المنتقدين الذين يرون أن بعض أبنية الإمارة ينقصها الذوق الرفيع. ولا شك في أن الشيخ محمد قد سمع الكثير من ذلك النقد فأشار إلى ضرورة الاهتمام «بتحويل المشاريع العقارية إلى مشاريع حضارية في مظهرها ومضمونها لتصبح دبي مركزا عالميا للثقافة والحضارة». إن ما قلته عن الديمقراطية ينطبق أيضا على الاسطاطيكية. استغرقت كلتاهما أجيالا من العمل والتفكير للوصول إلى ما نراه أمامنا في الغرب. المشوار طويل ومكلف ولكن النهاية مغرية في آخر النفق.