• لم يصل رواد وعمالقة «زمن الفن الأصيل» إلى ما وصلوا إليه. إلا لأن الساحة الفنية في زمنهم لم تكن كما هو عليه حالها وأحوالها في هذا الزمان، فقد كانت الساحة الفنية آنذاك «مسورة» وللسور من الأبواب بعدد أنواع الفنون، ولكل باب حرسه الخاص من ذوي الخبرة والاختصاص. •• ولذلك كان من الاستحالة الدخول إلى الساحة إلا عن طريق بواباتها و«لجانها» المختصة والمتخصصة، فهي المعنية بفرز وتقييم الراغبين في الانتساب إلى المجال الفني، ودخول ساحته، ولم تكن الرغبة «آنذاك» مبنية على «المزاج». فالمتقدم يدرك سلفا أنه سيواجه في كل بوابة من بوابات الفن التي يقصدها فريقا من المتخصصين لا يمنح أحقية الدخول إلا لمن يمتلك من الموهبة ما يؤهله إلى ذلك. •• دور المختصين والمتخصصين في كل بوابة من بوابات الساحة الفنية لم يكن مقتصرا على التأكد من وجود وجودة الموهبة لدى المتقدم فحسب، بل كانت مهامهم تشمل أيضا إلى جانب تصنيف مستوى الموهبة، توصيف الفن الذي يمثله المتقدم، فلكل فن ما يتفرع عنه، أو يندرج تحته من الفنون، فعلى سبيل المثال: «قد يختار أحدهم (بموهبته) فن الرسم، إلا أن وقود طموحه لا ينضب عند هذه المرحلة، فيتضاعف اتقاده حتى يتخصص في أحد الفنون المتفرعة من فن الرسم، كفن الرسم التشكيلي ــ على سبيل المثال ــ ثم يواصل من دأبه وتزوده حتى يلم بمختلف الفنون المتفرعة عن فن الرسم (التجريدي، الزخرفي، الهندسي ..إلخ) فتجده في نهم دائم وحثيث لحصد المزيد من العلم والمعرفة والخبرة بكل ما يرتبط بهذا الفن من فنون ومدارس ومستجدات...». •• ذلك ما كان عليه حال وأحوال المجال الفني وساحته على مستوى كل الفنون، وكان عليه دأب وتطلع وعشق رواد عمالقة زمن الفن الأصيل.. زمن البساطة والإبداع، فتجد النسبة العظمى منهم حافلين بسير مثقلة بالخبرات والتجارب، وأعلى الشهادات، ولا يمكن أن تجد من بينهم، وعلى مستوى أي فن من الفنون دون أن يكون صاحب موهبة فنية «جوهرية» ومعززة بالدراسة. فالفن آنذاك لم يكن مهنة لمن لا مهنة له، أو مهنة «بديلة» عن أي مهنة أو حرفة أخرى يستبدلها ممارسها متى ما شاء، وكيف شاء ليصبح فنانا بين عشية وضحاها!!! •• اليوم لم يكتف المهرولون للساحة الفنية من كل اتجاهات الخواء والإفلاس والأمية والابتذال و....، بأنهم أصبحوا في ساحة كلما زادوها ابتذالا زادتهم ثراء «من غير ليه..»، بل أصبح بعض هؤلاء من «نجوم الفن البديل» يشاركون ضمن لجان التقييم المعنية بترشيح مواهب المستقبل، مما يقطع الشك باليقين أن «الغثاء» في الساحة مستتب.. والله من وراء القصد. • تأمل: إنك لا تجني من الشوك العنب.