النسخة: الورقية - سعودي في حديث مع طالبة صينية أخبرتني أنها وقريبة لها منبوذتان في العائلة بسبب استطالة أرنبتي أنفيهما. فمن علامات الجمال عندهم ليس صغر الأنف عرضاً بل قصر الأرنبة. وتستطرد أنه في منطقتها يطلقون لقب «أصحاب الأنوف الكبيرة» على الأوروبيين لبشاعة أنوفهم. استوقفتني معايير الجمال المختلفة، فلطالما ظننت أن للأوروبيين أنوفاً صغيرة، وأن الجمال هو عيون عربية وأنف أوروبي وفم زنجي. ولطالما حلمت بأنف دقيق وطويل، لأجده دلالة قبح في عيون أخرى. ما الذي يصنع معاييرنا للجمال؟ أيتحدد الجمال بانطباع عام يعكسه الشخص بحضوره الخاص أم بمقاييس محددة يمكن تحويلها إلى معادلة رياضية يستطيع الكومبيوتر التعامل معها؟ في تجربة بهذا الخصوص، أدخلت مجموعة من الباحثين صوراً لآلهة الجمال كما صورتها الحضارات القديمة، ثم طُلب من الكومبيوتر إجراء حسابات رياضية تحدد المسافة بين تقاسيم الوجه وحجم الملامح؛ لاستخراج معادلة للجمال. بعدها طُلب منه أن يصنف صوراً لنساء شهيرات، وفقاً لمدى تماثلهن مع «معادلة الجمال». استطاعت الممثلة البريطانية ليز هارلي أن تحصل على توافق كامل مع تلك المعادلة. فهل كانت الأجمل؟ وهل سيعتبرها من ابتكروا تلك التماثيل الأجمل بين نساء الأرض؟ ليز هارلي جميلة جداً بلا شك، ولكن السؤال الذي يهمنا: هل للجمال معادلة وحيدة تنتج جواباً واحداً صارماً؟ أنعاين في بحثنا عن الجمال معياراً ما، بوعي أو بلا وعي منا، أم أن هناك محركات أخرى تحدد لنا نظرتنا الجمالية؟ في العصر الكلاسيكي تمظهر الجمال الأنثوي كما عكسته الأعمال الفنية في اللوحات الأوروبية على هيئة نساء ممتلئات الجسم ببشرة بيضاء مترهلة قليلاً وملامح وجه يغلب عليها الحيرة، الاسترخاء، الوجِل، بل وحتى الانكسار أحياناً. في المقابل، النموذج الحالي للجمال كما يُصوَّر في أغلفة المجلات يتمثل بجسد أكثر رشاقة وصلابة وبعضلات مشدودة وبشره لفحتها الشمس وملامح وجه أكثر حدة ووضوحاً وقوةً. السؤال: ما الذي صنع هذا الفارق في تعيّر الجمال؟ أتغير شكل النساء أم تغير منظورنا لمن نضعهن في المقدمة كرمز للجمال؟ لعل من المناسب إعادة طرح السؤال في شكل آخر: ما الذي يعنيه الجمال لنا؟ هل هو مجرد شكل بصري لافت؟ ألا يمنحنا الجمال مجالاً لتخيل واقع مختلف؟ ألا نبحث في الجمال عن إمكانات لعيش آخر وفضاءات أخرى؟ ألا يشكل إعجابنا بنموذج جمالي ما، رغبتنا في عيش ما يمثله هذا النموذج؟ فمثلاً، لماذا وجه المرأة المبتسمة يجعلنا نقيمها أكثر جمالها من حقيقتها المجردة؟ أليس لأن الابتسامة ترتبط بالسعادة، ومن هنا فإننا نربط بين ابتسامتها الدائمة، عبر لحظات التحديق تلك، وسعادة دائمة محتمله في حال الارتباط بتلك المراة. مثال آخر، قد يكون لأحدهم حاجة إلى حنان أمٍّ لم يختبره أو يريد إعادة معايشته عندها سيصبح الوجه الأمومي الحنون هو معيار الجمال لدى هذا الفرد وهكذا. ولأن حاجاتنا ورغباتنا تختلف فإن نظرتنا وتقييمنا للجمال يختلف. في المقابل لكل عصر قيمه ونمطه المعيشي المختلف، ومن هنا معيار الجمال يتأثر باختلاف العصر. بالعودة إلى النموذجين السابقين، نساء اللوحات الفنية في القرون الوسطى وفتيات الغلاف في العصر الحديث يمكننا أن نختبر فرضيتنا السابقة، والتي ترى أن معايير الجمال ليست محايدة، بل تعكس نموذجاً متخيلاً لنمط العيش المشتهى. في القرون الوسطى كانت نساء النخبة وحدهن من يملكن رفاهية الطعام التي تمنح أجسادهن مزيداً من الشحوم، ومع حاجة أقل إلى الحركة مزيداً من الارتخاء للعضلات. ولأنهن مرفهات فهن لا يحتجن إلى الخروج إلى الحقل؛ للعمل، فتحافظ بشرتهن على بياضها النقي. وكل من تتعامل معه سيدة البيت هو زوج وأبناء وبعض الخدم وأحيانا ضيوف؛ لتمضية الوقت فتكتسي ملامح الوجه ذلك الاسترخاء. فالمرأة التي تمتلك هذه الشكل هي سيدة غنية تعيش رفاهية العيش، ومن هنا تصبح رمزاً للجمال لا لجمالها الخاص، بل لجمال نمطها المعيشي كطموح يريد الآخرون عيشه. في هذا العصر لم تعد الشكوى من شح الطعام بل من نوعيته، وهنا نحن نقارن في كلتا الحالتين مجتمعات غربية في عصرين مختلفين. لذا لم يعد امتلاء الجسد دلالة على رفاهية العيش، فعلى العكس الأطعمة التي تسبب السمنة في الحقيقة هي الأرخص. ومن هنا نجد انتشار السمنة في تلك المجتمعات بين الفقراء الذين لا يستطيعون الاعتماد على الخضار والفواكه بدل الكربوهيدرات والأغذية السريعة. فالمرأة العصرية هي من تملك من رفاهية المال ما يجعلها تشتري ما يجعل جسدها أكثر رشاقةً، ووقتا لتذهب للشاطئ أو أحد المراكز؛ لتكسب بشرتها لوناً مشرقاً ومختلفاً، بدل «البياض الشاحب»، كما يطلق الأميركان على بشرتهم، وأيضاً من الوقت ما يجعلها تمارس الرياضة، ليمنحها جسداً أكثر صلابة. ألم يتفاخر مدرب المطربة بيونسيه بأنها تتمرن يومياً عشر ساعات، وهو ما يجعل «ملمس أفخاذها بصلابة ملمس الحجر»! نعم، إن العبارة قيلت على سبيل التفاخر والتغني بالجمال. في المقابل وفي زمن آخر كان يتغنى بليونة الجسد وارتخائه. إنه عصر مختلف يتطلب امرأة مستقلة تخرج إلى الشارع فتكتسب بعضاً من لون الشارع وصلابته، ليمنح وجهها قوةً وحدة وثقة لم تكن تظهر في نظرات النساء القابعات في منازلهن المرفهة، كما صورتها الأعمال الفنية في السابق. وأخيراً، فللرجل أيضاً نصيبه من هذه اللعبة، وإن كان أقل بروزاً من المرأة، وهذه حكايه أخرى تحكى في مقالة أخرى. في التماثيل الإغريقية واليونانية كان يُركَّز على صلابة عضلات الساعدين والأفخاذ، وهو ما يحتاج إليه الرجل؛ لتأدية الجهد البدني الذي تتطلبه الأعمال المهنية في ذلك العصر. في هذا العصر لم يعد الجهد البدني مهنياً بالأهمية ذاتها، فانتقل التركيز في صور العارضين إلى عضلات البطن الست، والتي لم تكن بذلك الوضوح في تلك المنحوتات. فأيضاً عضلات البطن هذه لن تظهر إلا لمن يمتلك الوقت والاهتمام للاشتغال عليها وليس نتيجة القيام بمهنة تؤدي إلى تشكلها، أي أنها تمثل رفاهية ونجاحاً يشكل أحد قيم هذا العصر. ومن هنا فإن في إعلاننا لمعايير الجمال الخاصة بنا فإننا نضع ونحدد قيمنا ونمط العيش الذي نبتغيه.