دائما يتكلم خبراء النفط عن ندرة الموارد ونضوب النفط بناء على الاحتياطيات المثبتة والكمية المنتجة التي تحدد عمر بقائه في مكامنه وكيف يتم استخدام أساليب التقنية المتقدمة مثل تقنية الحفر الأفقي والتكسير الهيدرولوكي لاستخراج النفط الصخري المحكم. لكن الذي يحدد كمية الإنتاج العائد الاقتصادي على استثمارات الاستكشافات وعمليات الاستخراج بناء على إجمالي تكاليف الإنتاج عند مستوى من الأسعار تحددها عوامل السوق، فعندما يرتفع إنتاج الولايات الأمريكية وتنخفض وارداتها تبعاً لارتفاع إنتاجها من النفط الصخري، وارتفاع كفاءة الطاقة أو تغير سلوك اصحاب المركبات، اعتقد بعض هؤلاء الخبراء أن الطلب الأمريكي على نفط السعودية سيتقلص، وقد ثبت أن هذا غير صحيح، ونسألهم ماذا عن نمو الطلب في دول أخرى مثل الصين، وماذا عن تقلص إنتاج بعض الدول المنتجه للنفط. لذا ينبغي التركيز على إجمالي جانبي العرض والطلب معاً، حيث ان الفجوة بينهما تحدد إذا ما كان هناك عجز أو فائض في الأسواق العالمية. إن نمو الطلب على النفط في العقود القادمة تحدده عوامل عديدة من أهمها النمو الاقتصادي العالمي ووجود طاقة بديلة متجددة تستخدم في قطاع المواصلات وتقلص الطلب على المواد الأولية منه. كما لا يمكن تجاهل نوعية النفط ووفرته بكميات كافية عند الحاجة من خلال وجود طاقة إنتاجية مرنة تتجاوب مع حاجات السوق العالمية، وكذلك زيادة الطلب المحلي لبعض الدول المنتجة للنفط مع زيادة عدد مصافيها من خلال الاندماج الرأسي والأفقي في صناعة البتروكيماويات لتحقيق قيمة اقتصادية مضافة تعظم العائد على استثماراتها وتحقق لها الاستقرار الاقتصادي. إن مدخلات المعادلة الاقتصادية لاستثمارات النفط مرتبطة بقيمة مخرجاتها فكلما كانت تلك القيمة أعلى من قيمة مدخلاتها وبهامش ربحي أعلى من معدل الصناعة كلما دعم ذلك استثماراتها وضمن استمراريتها لتلبية طلب الأسواق العالمية. اليوم نشاهد تزايد الإنتاج النفطي الأمريكي مع زيادة إنتاج النفط الصخري والمتوقع له أن يرتفع من 6.5 و 7.4 و 8.2 ملايين برميل يومياً في 2012 و 2013 و 2014 على التوالي، كما أوضحته وكالة الطاقة الدولية. وقد ارتفع الإنتاج الأمريكي بنسبة %14 الى 7.4 ملايين برميل يومياً في 2013، الأعلى منذ عام 1991، مما سيؤدي إلى تراجع الطلب الأمريكي على النفط بنسبة 6% في أكتوبر الى 18.61 مليون برميل يومياً، كما توقعته الوكالة. وعلى النقيض سترتفع واردات الصين النفطية من 2.5 مليون برميل يومياً في 2005 إلى 9.2 ملايين برميل يومياً في 2020، أي بزيادة نسبتها %360، مما سيؤدي إلى ارتفاع وارداتها من الأوبك من %52 إلى 66% ضمن هذا الإطار الزمني، بينما الواردات الأمريكية ستتقلص من ذروتها عند 10.1 إلى 6.8 ملايين برميل يومياً، أي بنسبة 32%، ومن الأوبك بنسبة %33 من إجمالي وارداتها، بينما النفط الكندي سوف يمثل %60 من الواردات الأمريكية، كما جاء في تقرير وود ماكنزي. إن هذه الاتجاهات المتعارضة سوف تؤثر ليس فقط على تكاليف الطاقة في كل بلد، بل أيضاً على كيفية تجارتها مع بلدان العالم. وتعتبر السعودية أكبر مصدر للنفط إلى الصين بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً أي خمس واردات الصين في العام الماضي ومنذ العقد الماضي. علماً أن احتياطي الصين تقلص من 24 مليارا في 2000 إلى 16 مليار برميل في 2007 ولم يرتفع مرة ثانية إلا في عام 2011 الى 20.4 مليار برميل ومازال أقل من مستواه التاريخي، أما وارداتها فقد ارتفعت من 1.4 مليون برميل يومياً خلال نفس الفترة إلى 4.7 ملايين برميل يومياً أي بنسبة 239%، بينما نما إنتاجها خلال نفس الفترة من 3.3 الى 4.1 ملايين برميل يومياً أي بنسبة 27% في 2012. فلا تحزن، سيبقى الطلب على نفط السعودية وستبقى طاقتها الإنتاجية الأكبر عالمياً وسيبقى النفط المصدر الأكبر للطاقة في العالم.