عرفت ويكيبيديا الحرية بأنها هي إمكانية الفرد دون أي جبر أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة. مفهوم الحرية يعين بشكل عام شرط الحكم الذاتي في معالجة موضوع ما. الكثير منا قد يرى أن هذا التعريف بسيط ويمكن أن يطبق على أكثر قراراتنا اليومية التي نتخذها سواء كان تأثيرها لحظي أم بعيد المدى. لكن قد يكون البعد الغائب عنا في تقبل هذا التعريف هو تعريف المؤثرات المحيطة بنا أصلا. هل كل قراراتنا أو بعضها ينطلق من منطلق ذاتي بحت أم أن الظروف المحيطة تساهم في اتخاذ ذلك القرار؟ هذا سؤال مهم جدا في تحديد حجم حرية الفرد ناهيك عن حرية المجتمع. لماذا حرية الاختيار مهمة؟ لا يوجد مدرسة دينية أو فكرية إلا وقامت على إزالة العقبات أمام حرية الاختيار والسبب أن حياة البشر على هذه الأرض كلها تقوم على اتخاذ قرارات يومية تنتج عنها الحياة كما هي. بدون وجود الخيار لا يوجد حياة, حتى في القرآن جاءت آيات الاختيار وحرية الإرادة تقريبا في كل سورة, لذلك تجد أن أي مجتمع يحاول وضع خيار إجباري أحادي يفشل في مجاراة باقي المجتمعات التي تتمتع بقائمة من الخيارات. التاُثير الخارجي على الفرد بأي طريقة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة أو كانت محسوسة أو غير محسوسة هو اعتداء على هذا الحق والقانون الكوني وسيساهم بكل تأكيد دمار البشرية ولذلك تجد أن المجتمعات تتطور كلما قلت المؤثرات الخارجية على الفرد في اتخاذ القرار و تتخلف كلما زادت. قد يكون من السهل الاعتراف بمحدودية حرية الفرد في هذا الجانب من العالم, وأعني هنا الدول التي تفوم على النظام الاستبدادي, فمجتمعات كهذه تقوم على مقولة الناس على دين ملوكها. يوجد هنا مساحة ضيقة لحرية الاختيار سواء كان لتأثير مباشر من قبل السلطة أو غير مباشر من قبل الضغوط المجتمعية متمثلة بالعادات والتقاليد والمفروض والعيب أو كان محسوس عن طريق القوانين الحكومية والدينية أو غير محسوس عن طريق الآلة الإعلامية. لا أحد يعيش هنا حرا فمنظومتنا تحدد خياراتنا في كل شيء, من أفعالنا إلى أقوالنا وملبسنا ومأكلنا ومشربنا والأهم هنا حتى آراؤنا تصاغ لنا داخل عقولنا. تقول ماندلين لانجل لأنه لو أخذت حرية الشخص في الاختيار, وحتى حريته في اختيار الخيار الخطأ ماهو إلا تحويل الفرد إلى دمية وليس إلى شخص. بالرغم من أن العالم الأول يتمتع فيه الفرد بحرية اختيار أكبر من دول العالم الثالث إلا أن المستنيرين في تلك المجتمعات لا يزالون يحاربون من أجل تحرير الفرد من المؤثرات الخارجية على حرية اختياره. هناك ولأن الفرد وصل إلى مرحلة نضج فكري يمكنه من معرفة حقه الكوني في الإختيار, تتخذ أساليب التأثير على خياراتها المنهج الغير مباشر والغير محسوس وتبتعد عن المنهج المباشر المحسوس, لأن من يريد أن يتحكم في فرد المجتمع هناك غير قادر على زعزعة ذلك الإيمان الراسخ بحرية الفرد والإرادة. لكن السؤال هنا, هل فرد العالم الأول فعلا حر؟ قد تكون الإجابة في بعض مقولات منظري الحرية هناك فمثلا فرانك زابا وهو أحد مبدعي الموسيقى والتلحين في أمريكا يقول وهم حرية الاختيار سيستمر طالما كان الاستمرار بذلك الوهم لا يزال مربحا, حالما يصبح الاستمرار بهذا الوهم مكلفا سينهون المشهد, يرفعون الستائر, يبعدون الطاولات والكراسي عن الطريق لينكشف لك الجدار الاسمنتي في المسرح الراحل جورج كارلن, كوميدي ومن أقوى منظري الحرية في العالم الحديث بأمريكا يقول في أحد عروضه انسوا السياسيين, السياسيين وضعوا هناك ليعطوكم فكرة أن لديكم حرية اختيار, أنتم لا تملكون تلك الحرية. أنتم لديكم ملاك, ناس يملكونكم, يملكون كل شيء, يملكون الأراضي المهمة, يملكون ويتحكمون بالشركات الكبرى, قاموا بشراء الكونجرس ومجلس الشيوخ والمجالس البلدية في الولايات منذ زمن طويل, وهم يحتفظون بالقضاة في جيوبهم الخلفية ويملكون كل المؤسسات الإعلامية الكبيرة كي يتحكمون بكل المعلومات والأخبار التي تستمعون لها قد يكون لدى فرد دول العالم الأول قائمة أطول من الخيارات, ولكنها قائمة تصاغ بعناية من قبل الأقوى وإن كان مستترا, وقد يكون وهم حريتهم أقوى من حقيقة عبوديتنا ولكن المحصلة أن العالم أجمع يرزح تحت وطأة الاستعباد وسلب الحرية. من يدري قد نكون كبشر غير قادرين فعلا على العيش بحرية, ربما أن الغالبية خلقت لتكون مستعبدة من قبل القلة التي تسعى وتحصل دائما على القوة والسلطة والمال. ليس هناك حرية, هناك فقط وهم الحرية.