النسخة: الورقية - سعودي لا اعتراض على الإطلاق لما يرد في السطور المقبلة، وعِشْق المجتمع الجميل الأنيق لكلمة «مدير» سواء أكان ذلك المدير عاماً، أم مدير إدارة أو قسم، أم حتى لو مجرد مدير على نفسه فقط. يصادف أن تلتقي بشخص ما لتسأله عن عمله، فيجيبك سريعاً بأنه مدير له صوته وحضوره ومهماته التي تنوء بحملها الجِبَال، وما خلف الكواليس يتحدث بأن سعادة المدير يحتار كل صباح أيهما يباشر أولاً قراءة الصحيفة اليومية أم تناول الإفطار، والأخيرة تتفوق دائماً لأنها سر نشاطه وخروجه وإقامة صُلْبِه لتصفح أكثر شمولاً، مع عدد لا بأس به من أكواب الشاي! مسمى المدير يغري للحد الذي يطمح فيه الجميع حتى ولو إدارة جمادين: «كرسي متهالك وطاولة مسكينة»، وبمعية الإغراء الإداري يَلْفِت نظري الترابط الكبير والمودة الجارفة بين حرف «الجيم» وما يُطْرِب اللسان ذكره ككلمة «مدير»، حين نقترب من بعض الذين يلتحفون ويتدثرون بهذه الكلمة، فنجدهم مرة في «اجتماع»، وثانية بـ«لَجْنَة» وتارة في «جَوْلَة»، ورابعة في «إجَازَة»، وفي المجمل «غير موجود» أو «خَرَجْ»، كل ما يتعلق بالجيم العزيزة يأتي عذراً حقيقياً وكثيراً مبرراً مطبوخاً وجاهز التحضير، لا يمكن التذمر منه حين يكون بإحسان النيات لمصلحة المواطن، حتى الإجازة فهي تقوم بإعادة تهيئة لروح وعقل المدير ليضاعف جهده ويقدم الجديد، الأعذار الجِيْمِية تُطِل برأسها حين لا يستطيع المواطن البسيط الالتقاء بالمدير، وليست هنا المشكلة، إنما أن يكون سعادة المدير هو سيد المكان، ومعه تختفي أوراق العمل وتتوقف دورة الحياة اليومية، فتلك المشكلة. يَصْعُب شرح المعلومة وتعليم القادمين الجدد كيفية إدارة المكان وتسيير دفة العمل في حال الالتقاء اليومي بلوازم الجيم، ويصعب أكثر وقد يستحيل أن يُقْتَل روتين العمل اليومي/الأسبوعي بأفكار جديدة واستغناء جريء عن أكبر عدد من الحواجز والأفكار الديناصورية، لأنه بذلك سيتم قتل عدد كبير من عشاق «مدير»، والاستغناء عن كل «بهرجتهم»، وسيكون حينها الاعتراف صريحاً لا ضمنياً أن مؤسساتنا الحكومية والخاصة يوجد فيها عدد كبير من مسمى «مديرين»، هم حجر عثرة ليس إلا في سبيل «حياة أسهل». ولكل العشق الاجتماعي للكلمة وأهلها أستبيحهم العذر، حين أصارحهم القول إني أكره أن أكون يوما «مديراً»، وسأحاول أن أورِث هذا الكُرْه المحمود لمن بعدي، حين تستمر أجزاء من الإدارة ترفاً بحتاً وهوساً اجتماعياً يصل إلى درجة الإدمان والمرض، ما يندر معه أن يغادر المدير كرسيه إلى مكان آخر ومسؤولية أعظم، طالما أن اللقب الاجتماعي لن يطلق عليه أو يُصَرِح بِه، وليس كل المديرين كباراً أم صغاراً، حقيقيين أم وهميين، زِيْنَة أم ظروف تشكيلة، بهذا القدر من التشاؤم ومصيدة «حرف الجيم»، لكن أديروا الرؤوس نصف استدارة لليمين واليسار، واحسبوا سريعاً عينات المقالة قبل أن نَتَعَثَر في الحساب! alialqassmi@