الاستراحات والنُزُل التي يغلب عليها الطابع التراثي من حيث شكلها وتصميمها، أو ما تحتويه من مواد وأدوات تُعد حلقة مهمة من حلقات حفظ التراث وتوثيقه، والتشجيع على بقائه ورعايته، والاستفادة منه كمنجز إنساني وحضاري نُفاخر به في كل زمان ومكان. وهنا، يأتي دور القطاعات الخدمية على نحو وزارات الشؤون البلدية والزراعة والنقل وهيئة السياحة والآثار، إذ يتطلب من هذه الجهات القيام بمزيد من الأدوار التي تحفز على مثل هذه الأعمال بكل ما هو معنوي أو مادي يحقق المتعة والفائدة على نحو حصر هذه الاستراحات والنُزل التراثية، وتصنيفها، والعمل على الاستفادة منها كرافد سياحي واقتصادي مهم في حياة المجتمع لا سيما لمن هم في الريف حيث تتوافر هذه البيئة بشكل لافت. وحينما نتأمل هذه الجهود الفردية التي يقوم فيها ممن يستثمرون استراحاتهم بطريقة مختلفة، تجذب رواد هذه الأماكن، وتجعلها مناسبة وشيقة لمن يرتادونها، لتتكرر هذه الزيارات وتعم الفائدة، إلا أن الجهد يبدو أنه شخصي وعفوي وربما يميل إلى الاجتهاد الشخصي، أو قد لا يُعدّ بشكل مناسب، فحينما يكون هناك تصنيف وترتيب وتشجيع لمثل هذه المعالم فثق أنها ستتطور، وربما أبرز وسائل التشجيع هو وضع جوائز مناسبة لأفضل هذه الأماكن التي تحتوي التراث وتقوم عليه. وينتج عن هذه الخطوات الإيجابية والفاعلة نحو التراث ترسيخ لمفاهيم العناية بالتراث والمحافظة عليه، وهي فعلاً الأساس، والمنطلق الذي يمكن من خلاله أن نحقق عملاً تراثياً وإنسانياً يُسعد الجميع، أضف إلى ذلك أن هناك أثر اقتصادي غاية في الأهمية يتمثل في تحويل هذه الاستراحات والنُزل إلى مقرات تتوفر فيها الوظائف وفرص العمل المهني والحرفي على نحو إعداد الأكلات الشعبية وتوفير كل ما هو تراثي من مصنوعات وحياكة وأدوات بمقابل معقول، يقبل عليه مرتاد هذه الأماكن في مناسبات كثيرة. وما يعزز بقاء فكرة الاستراحات التراثية وتفاعلها هو إيجاد البيئة المناسبة، وربطها بكل مقومات النجاح والتواصل على نحو مد الطرق البرية والزراعية، وتوفير الخدمات كالكهرباء والاتصالات، وتوفير المعدات اللازمة لاستمرار عملها وتسهيل الوصول إليها. وينسحب الأمر هذا على المزارع القديمة في المدن والقرى حينما يتم تأهيلها، والسعي إلى المحافظة عليها من العبث أو الإهمال أو مجرد إزالتها وإقامة الأبنية التي تهدف إلى الكسب المادي فحسب، لذا فإن هذه المزارع القديمة رافد مهم من روافد حفظ التراث والبيئة الريفية التي نَحِنُّ إليها، ونحتاجها كثيراً في حاضرنا، أكثر من أي وقت مضى. فمشاركة الأهالي في إحياء هذا التراث وحواضنه أمر مهم وحيوي وذلك من خلال تقديم كل ما يوثق أو يسهم في التعريف بالتراث لكل منطقة ويحفظه من التلف، كما أن لوسائل الإعلام المختلفة دور بارز ومهم أيضا في تطوير هذه النزل والاستراحات والمحافظة عليها وعلى ما تختزنه من تراث من خلال التوثيق والتعريف وإعداد التقارير الشيقة والجاذبة، وطباعة الكتيبات والبروشورات والإرشادات التي تشير إلى أماكن هذه الاستراحات والنزل والمزارع التراثية وما تحتويه، وجمعها في دليل متكامل يستفيد منه كل من يتنقل بين المدن والقرى والريف بهدف السياحة الداخلية، أو التعرف على أماكن حميمة تختزن بداخلها تراث الأهل والأجداد وصور ماضيهم الجميل.