×
محافظة جازان

مدير مدرسة يسيطر على حريق عداد كهربائي بمستوصف "البيّض"

صورة الخبر

«الفتنة» طبق رئيس على مائدة الإعلام اللبناني. ويلحظ الجمهور اللبناني أن وسائل الإعلام الجماهيرية المحلية تمارس تحريضاً يومياً، سواء الوسائل المطبوعة أو المرئية أو المسموعة أو الإلكترونية. ولكن اللبنانيين يتغاضون عنه في شكل شبه كامل، بدليل أنّ هذه الممارسات مازالت مستمرة منذ فترة زمنية طويلة ولم يُحاسَب أي صحافي أو إعلامي على مشاركته في التحريض على الفتنة والنزاعات الداخلية، فثقافة المحاسبة من جانب الجمهور لم تصبح شائعة بعد، ويحدّها الكثير من العوائق، لكنّ هذه الحال يمكن أن تتغيّر في السنوات المقبلة مع اهتمام منظّمات المجتمع المدني بموضوع الإعلام وكيفية حفاظه على السلم الأهلي. من هنا، برزت أخيراً مبادرة «فتنة متر» (Fitni Meter) التي انبثقت عن «الجمعية المعلوماتية لخدمة المجتمع المدني» (ITvism).   أداة لقياس التحريض توفّر هذه المبادرة في لبنان للمرّة الأولى أداة لقياس التحريض على الفتنة في الإعلام المحلي، وذلك عبر تصويت الجمهور ولجنة من الخبراء الإعلاميين على مضامين إعلامية لتحديدها ضمن الفئات التالية: «فتنوي»، «فتنوي إلى حدّ ما»، «محرّض»، «محايد»، «مهدئ»، «رزين» أو «من دعاة السلام». وبعد جمع أصوات الجمهور واللجنة، يمكن تصنيف المادة الإعلامية ومدى مساهمتها في التحريض. ويشرح مؤسس المبادرة والجمعية المعلوماتية لخدمة المجتمع المدني أحمد قاروط، أنّ المبادرة بدأت بقياس رأي الجمهور وحده، لكن تبيّن أنّ هناك تعادلاً في التصويت، لأنّ المواطنين يصوّتون وفق انتماءاتهم الصوتية. وهذا ما دفع القائمين على المبادرة إلى الاعتماد على لجنة من الصحافيين والخبراء الإعلاميين لمشاركة الجمهور في التصويت أيضاً. والتصويت لن يكون لفترة زمنية محدودة، بل إنّ الجمعية مستمرة بهذه المبادرة التي لا تعوقها التكلفة المادية، بل تحتاج إلى دعم الجمهور فقط من خلال التصويت والإبلاغ عن التحريض الممارس في الإعلام عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة.   الحرية المسؤولة يؤكد قاروط أنّ المبادرة لم توجد واقعياً لمحاسبة الصحافيين والإعلاميين أو التشهير بهم، بل هي للتوعية وإبراز «التغذية الراجعة» الخاصة بالرسائل الإعلامية، بما أنّ هناك الكثير من العاملين في مجال الإعلام لا يهتمون كثيراً لتأثيرهم على الجمهور وردود الفعل التي تردهم بعد قيامهم بالتحريض. ويشدّد قاروط على مفهوم الحرية المسؤولة، فليس المطلوب أبداً تقييد الحريات الإعلامية، بل دفع الجمهور ليؤدي دوره على صعيد عملية الاتصال والتواصل، فيبلّغ عن التحريض. ويطمح مؤسس المبادرة إلى أن يصل الصحافيون والإعلاميون أنفسهم يوماً إلى الطلب من جمهورهم أن يقوم أداءهم عبر أداة «فتنة متر»، لأنّ ذلك يعبّر عن الكثير من المسؤولية. وكما تظهِر أداة قياس التحريض الموادَّ الإعلامية والأشخاص المحرّضين، كذلك تبرز الصحافيين الذين يمارسون الإعلام بمهنية عالية ويبتعدون من التحريض والحض على الفتنة. وسينشر القائمون على المبادرة خلال الأشهر القليلة المقبلة دراسة تحدّد المؤسسات الإعلامية المرئية والمكتوبة التحريضية، وأسماء الصحافيين والإعلاميين الذين يحرّضون فعلياً، سواء من خلال المضامين التي يطرحونها أم أسلوب حوارهم مع الشخص الذي يقابلونه. ويمكن مثل هذه الدراسة أن تشكّل مرجعاً لكلّ الباحثين الإعلاميين والصحافيين والمؤسسات الإعلامية، لكي تعرف موقعها من التحريض وكيف يمكن أن تحسّن هذا الموقع.   الإعلام والتأثير السياسي هذه المبادرة التي أطلقت منذ أشهر قليلة كانت سبقتها مشاريع عدّة نظّمتها «منظّمة إعلام للسلام» (MAP)، التي كانت من أولى المنظّمات المدنية اهتماماً بموضوع التحريض على الفتنة في الإعلام اللبناني، وشملت نشاطاتها ورش العمل للطلاب في كليات الإعلام والصحافيين العاملين في المؤسسات التعليمية على حدّ سواء. وتشير مؤسِّسة المنظّمة الصحافية فانيسا باسيل، إلى أنّ التحريض في الإعلام اللبناني هو انعكاس للجوّ السياسي في البلاد من ناحية، ومغذٍّ للانقسام الموجود في المجتمع من ناحية أخرى. ولفهم دوره، لا بد من النظر إلى الصورة العامة للإعلام من جهة دوره في النزاعات السياسية، بالإضافة إلى فهم قواعد الاقتتال السياسي التي تؤثر في شكل مباشر على مضمون المادة الإعلامية. وتشدّد باسيل على أهمية النظر إلى الإعلام على أنّه غير مستقلّ، إذ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأطراف السياسية التي تتسابق للوصول إلى الشاشة وإلى صفحات الصحف الأولى. وتسعى أطراف النزاع إلى الوصول إلى الإعلام والتحكم به، وحتى امتلاكه، إذ تجده وسيلة للهيمنة السياسية، فتكون الغاية التأثير السياسي والأداة هي الإعلام. ويدخل التحريض ضمن إطار التأثير السياسي والكسب الشعبوي، ويحصد نتائج مثمرة، لكونه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة المجتمع السياسية. وفي مجتمع كالمجتمع اللبناني، الذي يتمتع بسمات الطائفية والتبعية والزبائنية، يسهل التحكم بالجمهور والتأثير عليه سلباً، وبالتالي تحقيق الأهداف السياسية للفرقاء المتنازعين على «كعكة» السلطة في بلاد الأرز. وتصف باسيل ما يحدث اليوم في الإعلام اللبناني بأنّه استخدام السياسيين منبر الإعلام لبثّ ما يسمى تقنياً «خطاب الكراهية» الذي يعتمد في شكل أساس على التحريض، والذي من سماته «شيطنة الآخر»، وإبرازه في صورة سلبية مهددة للمجموعة التي يتوجه إليها الخطيب من خلال الوسيلة الإعلامية. على أن هذا هو واقع الإعلام اليوم، ليس في لبنان وحده إنما في أرجاء العالم، هناك نافذة أمل فتحها جيل جديد من الصحافيين الشباب الذين يرفضون الانتماء إلى نمط إعلامي يخدم أجندات سياسية ومصالح ضيقة. وهذا ما يعبّر عنه الصحافيون المنضوون ضمن «منظّمة إعلام للسلام»، وهي الأولى في لبنان والشرق والأوسط وشمال أفريقيا المتخصّصة في نشر مفهوم صحافة السلام كخريطة طريق جديدة تشدد على أطر التغطيات الصحافية وتداعياتها على الجمهور، وبالتالي حجم المسؤولية الصحافية وأهمية الأخلاقيات المهنية ودور الإعلام التربوي والتوعوي. الإعلام اللبناني