×
محافظة المنطقة الشرقية

وزير الداخلية يبحث إخلاء «منى» من المقرات الحكومية

صورة الخبر

اللغة الحادة، القاسية، الكثيفة، والصور الشرسة الوحشية، قد تكون أهم ما يميز نصوص الشاعر المغربيّ محمد العنّاز، شاعر لم يبلغ الــثلاثـــين من العمر، لكنّه يمتلك أدوات الشعر الحقيــقـــي، ويسعى إلى تكوين صوت خاصّ في الشعـــر المغربيّ. إنه يكشف عن طاقة شعريّة متميزة، ويحفر في أرض جديدة، ليشكّل تجربته مع اللغة والاستعارة والمجاز بأسلوب يجمع التجريب والتجريد والعالم الحسّيّ الواقعيّ، في نصوص قصيرة ومكثّفة. في ديوانه «جليدُ منتصف العمر» الحائز «جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب» في دورتها التاسعة (2013)، هو الثاني بعد ديوانه «خطوط الفراشات» (الدار البيضاء، 2010)، الذي فاز بعدد من الجوائز أيضاً، إضافة إلى دراسة نقدية بعنوان «مفهوم الصورة في كتاب «البيان والتبيين» عند الجاحظ»، ومن خلال عنوانين رئيسين: مرافئ، ظمأ الرمل، وعدد من العناوين الفرعية الّلافتة، يصوغ العنّاز عوالمه العميقة والمختلفة. الشاعر كثير القراءة في الأدب والشعر، وهو يستفيد من قراءاته هذه، ومن ثقافته ودراسته الأكاديمية العليا عموماً، ففي ما يشبه المدخل للكتاب، يضع الشاعرُ مقولة للمهاتما غاندي حول العلاقة بالجذور، بحيث يقول: «لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي، ولا أن يُحكَم إغلاقُ نوافذي، إنني أريد أن تهبّ ثقافةُ كلّ أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحريّة، لكنني أرفض أن تقتلعني ريحُ أيّ منها من جذوري». ثم يقتطف من عبدالرحمن منيف «الصحراء المترامية، بذلك اللون الرصاصيّ في غبش الصباح، لا يماثلُها إلا البحر». ومن أبو حيّان التوحيدي عبارته الشهيرة التي سبق لمحمود درويش أن استخدمها وهي «أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم». ويستعير نصاً من الفرنسي ألبيت أودرا، وأخيراً يأخذ من الصيني الفرنسي غاو سينغيانغ «لا أكتب لكي أترك أثراً ورائي، بل لكي أخفف من آلامي». هـــذه الــمـفاتيح المستعارة، فضلاً عن العنوان «جليد وعــمــر في منتصفه لشاعر شاب»، تمهّد للقراءة التي يقدّمها العنّاز للعالم ولمناخاته القاسية، عالم من الجدران والصقيع وموت الأوراق. عالم نرى فيه بطل قصيدة «جليدُ منتصف العمر» في جنازة يشيّعها أصدقاؤه «في الليل البارد»، ثم نراه يشرب نخب الشمس، ويبحث عن معــــطفه ليــــوقظ «شهوةَ السفر»، أو ينزلق في «الظلام الموحش»، ونرى «نافذة الجسد المهشّم». وفي مستهلّ قصيدته «راقصة الباليه»، يستعير من الكاتبة والشاعرة البرتغالية صوفيا دي ميللو براينر عبارتها «بيديكِ سأحدّد مساحة العالم/ وعلى ميزان كفّيك الطاهر/ سأزِنُ ذهب الشمس وشحوب القمر»، لتدخل القصيدة القصيرة في عوالم من الضجر و «الوصلات الإشهاريّة» التي تلفّ المتاهة، في أجواء حضور الجسد والغناء والألوان. ومع «لوليتا» تبرز «السفن المسكونةُ بفوبيا الميناء/ ولوليتا الناعمة تعانق الأرصفة الملوّثة/ تهدي حمولتها للسماسرة/ فيما الريّس «سانتياغو» يصرخ خوفاً من فوران الثلج/ فيما خوليو إغليسياس يدفع صوتُه السفينة بعيداً بعيداً». هكذا نستطيع الاستماع إلى صوت غنائي ببعد درامي/ تراجيدي لمصائر البشر، وفي سياق استعارته لأصوات الشعراء، يستعير شيئاً مما كتبه ريلكة في رسائله إلى الشاعرة الروسية مارينا تزفيتاييفا، إذ يكتب «إلى القدّيسة، إلى نسيمة الرّاوي» (نسيمة شاعرة من الجيل المغربي الجديد، وهي زوجة العنّاز)، وهي قصيدة تبدأ بمخاطبة «الشاعرة التي تهجوني/ وأعاتب استعاراتها»، ويناديها بلغة تمزج المناجاة بالسخرية السوداء. إنها القسوة التي تبرز في غالبية نصوص الديوان، على صعيدّي العبارة والمعنى. تحضر أيضاً سيرة الشاعر في بعض النصوص عبر صور عدة، إحداها عبر ملامح من صورة الجندي، بقدر غير قليل من القسوة والمعاناة، إذ نقرأ في مطلع النص «الجنديّ الذي كنتُه ذات خريف/ يضغط على الزناد ليزرع الزنابق/ فيُورقُ يوم جديد»، ويعرض الشاعر - بطل القصيدة شيئاً من هذه السيرة، ليتوصل في نهايتها إلى مشهد سورياليّ: «الجنديّ الساكن تحت التراب/ يحلم برصاصة تفجّره/ ليولد من جديد». يحضر المكان بجمالياته وقسوته في نصوص الشاعر، فنجد الرمل والصحراء والجبال، حيث «مقبرة الصحراء»، و «الشموع التي تحفر ذاكرتها في رمالي»، وثمة أيضاً «ذكريات النهر اليابس»، وربما كانت قصيدة «أركانة مُراكُش» من أبرز القصائد في قراءتها المكان شعريّاً، على رغم بساطة تناولها لهذه المدينة العميقة. وهذه كلها تشتبك بأزمنة تغلب عليها لغة الخراب والموت والأسى والحنين... في ِعوالم محكومة بالقسوة ووجوه العزلة، من جهة، وبالتمرّد من الجهة المقابلة، تمرّد في الشعر وفي الوعي للعبارة وما وراءها. آداب وفنون