رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي.. لا يخفى على ذي لبٍ حاجتنا الماسة للنقد لتقييم الإيجابيات وتصحيح السلبيات.. بهدف الإصلاح وإتمام النقص وسد الثغرات.. والنقد البناء هو النقد الذي يدور حول أفكارٍ موضوعية وأمورٍ واضحة ويمكن قياسُها.. وبما أن النقد أمر لابد أن يواجهه الإنسان في حياته مهما كان مستواه العلمي أو الوظيفي أو الاجتماعي.. وبما أننا نمارس النقد ونتعرض له بشكلٍ مستمر إلا أنه وللأسف الشديد هناك الكثير ممن لا يفرق بين النقد والانتقاد.. وهناك الكثير من يبرع في الانتقاد وينزعج من النقد فلماذا نحن بارعون في الانتقاد.. منزعجون من النقد. فإذا كان النقد هو وصف وتبيان لنقاط وأمور أو تصرفات سلبية أو إيجابية بطريقة ودية ترمي إلى التصحيح والتصويب حال وجود خطأ وإلى الاستمرارية في حال وجود النجاحات فإن الانتقاد هو تصيدٌ مقصود للأخطاء لإظهار السلبيات.. إذن لماذا نجد صعوبة في تقبل النقد ولماذا نجد صعوبة في توجيه النقد للآخرين.. وكيف نتآلف مع النقد البناء الهادف ونتجنب الانتقاد النابع من الغضب والكراهية.. بل إشعار الآخر بالنقص وضآلة الحجم. النقد عملية معقدة صعبة في جوهرها لكنها مؤثرة شريطة أن تكون بعيدة عن الهوى والتعصب.. فكثير من الجدل يبرز إن كان النقد سببه الجهل أو التعسف في العبارات والغلظة في القول أو كان نقداً مسبباً لفتنة.. لذا نجد هناك علاقة وثيقة بين النقد واحترام الذات وتلك العلاقة هي التي تعطي النقد قوة للتأثير على احترام الذات إما سلباً أو إيجاباً فالإنسان بطبعه يستمد نظرته لذاته من نظرة الآخرين له. إن ما يعطي المشروعية للنقد ويجعل منه أمراً لا غنى عنه هو أننا عندما نخطط لأمر ما أو مشروع معين أو حتى نتحدث أو نكتب عن قضية من قضايا المجتمع المختلفة أو نكتشف ميزة في عمل من الأعمال فإننا لا نستطيع الإحاطة بالاعتبارات التي تجعل قراراتنا صائبة على نحوٍ قاطع فهناك دائماً حقائق غائبة أو نقاط مطموسة استعصى علينا اكتشافها .. لذا فإن أعمالنا قابلة للنقد إن لم تُراجع وتُصحح.. فنحن حينما نخطط ونُنظِّر قد نستند على معطيات غير كافية وما نقوم به قد يتبين أنه صواب وقد يتبين أنه خطأ، وكثير ممن ينفرون وينزعجون من النقد لا ينظرون إلى هذا المعنى.. ولو أنهم أدركوه بعمق لرحبوا بالنقد بوصفه استدراك على قصور أو غفلة وربما غير معرفة. أعود إلى جوهر الموضوع.. البراعة والانزعاج.. وألف علامة تعجب واستفهام تُرسم خلفها فلم تخبُ شعلة الخلق والأدب الراقي إلا عندما خبتْ جذوة النقد الهادف البناء.. وإن اتقدت جذوة النقد الهادف البناء اتقدت جذوة الامتعاض والانزعاج عند البعض الذين يرون أن ذلك ما هو إلا تسليط ضوء على خفايا أو عيوب. النقد البناء هو الذي يستهدف المصلحة سواء في الأمور العامة أو الخاصة وهو النقد المطلوب .. أما التجريح والتشهير أو استغلال ضعف الآخرين لإسقاطهم من عين المجتمع فهذا هو النقد الهدام (الانتقاد) الذي يُصفق له الكثيرون للأسف لذا فهم بارعون فيه حدَّ الامتياز.