لقد صنع مجتمعنا من المرأة وتراً حسّاساً، ومحطّة توجّهٍ للفكر، فمَن قدّسها وطالب بحقوقها أشارت إليه البوصلة نحو ركْب الفكر الليبرالي، ومن شدّد عليها توجّه المؤشر إليه نحو ركب الفكر الإسلامي المتشدّد إن صح التعبير -، حتى أصبحت المرأة مثار جدل ومحطّ نقاش وقضيّة اختلاف، وفي كل سنة لها موسم تتكرّر بِه ثورة الطرح على طاولة النقاش الاجتماعي، من قضيةِ تخصصات بعض وظائفها المهنية إلى المطالبة بقيادتها السيّارة إلى مشاركتها في المحافل والأندية إلى آخره. القضية عندما تكون شغل شاغل يتكرر تمجّه واللهِ النفوس، اليوم يطرأ على موقع التواصل الاجتماعي «التويتر» طرح قضية أخرى وهي قضية (تصويت مجلس الشورى لإضافة مادّة التربية البدنية للبنات)، وهذا الطرح يُنبئكَ عن تصوّر واضح لمجتمعنا بأنه يصنع من اللّا جدل جدلاً مُستعراً، الموضوع لا يستحمل أطروحة تستحق كل هذا الجدل الذي تأججت بسببه أطروحات سابقة ليعود شريط قضايا المرأة من جديد. إن كانت مادة التربية البدنية للبنات لم يصدر بحقها أي قرار وزاري من وزارة التربية والتعليم، فلماذا يشغل المجتمع نفسه بأمر لم يُحسم بعد؟ وإن كان قد صدرَ وتَم فلماذا كل هذه الضجة وهو أمر وزاري لن أستطيع أنا وأنت إيقافه وعلينا الاستجابة لولاة الأمر فيه، خاصةً أنه أمر لا يتعارض مع الدين البتة، بل ما المحظور فيه؟! وما هو الموضوع وما هي القضية إلا مجرّد نشاط يُمارس بين أسوار المدرسة التي لا تحتوي على جسدٍ ذكوريٍّ مبصرٍ نابض! أليس كثير من النساء يمارسن الرياضة في ممشى الأرصفة أمام المارّة ولم يكن هنالك أي استنكار!! أليس منهن من تذهب إلى النوادي الرياضية الصحية! أليس منهن من يمارسها في البيت على الآلات والمعدّات!! لماذا كان طرح هذا الموضوع مثيراً للبعض حتى قَرَنه بالعُهر! يا رجال الدين أليست السيدة عائشة كانت تتسابق مع النبي صلى الله عليه وسلّم! وحاشاها بذلك الترجّل الذي اتّخذه البعض تهمةً في بناتنا إذا أضيفت هذه المادة لهم، وما يُحيّرني أكثر لماذا أصبحت رياضة البنات وكأنها قضيّة تتمرّد على الدين؟! إلى متى ومجتمعنا منذ القدم وحتى اليوم يعادي كل ما يجهل وليس له أي جرأة على التجربة المدروسة والمؤيّدة بأصوات أهل التخصص والثقافة، وإلى متى والرجال هم من يقومون بتحديد ميول النساء ورغباتهن وتخصصاتهن؟! المرأة عندما تتاح لها الحرية في اختيار رغباتها تُبدع، وها هو مليكنا المفدّى الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- عندما فتح باب الابتعاث انطلقت منه بعض النساء إلى الحرية في التخصص والدراسة حتى بلغن مبالغَ عالية في الابتكار والإبداع. وخزة أخيرة.. كثير من ممارساتنا اليوم كانت سابقاً محطّ جدل بين آبائنا وأجدادنا.. لا لشيء إلا لأنها لائحة جديدة!