×
محافظة المنطقة الشرقية

منع الاستمرار

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي حين رفعت المتاريس وحرقت الإطارات من أجل الاحتجاج على الرئيس الاوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، في شوارع كييف، كان الساسة الروس يراقبون الاحداث بعين الحذر والرضا، على حد سواء. ولكن اليوم نرى الاشخاص الذين انتقدوا حوادث ساحة ميْدان يدعمون الثوار في شرق اوكرانيا. وهم يقودون روسيا نحو المجهول. ويلتزم الاعلام الروسي معايير مزدوجة في معالجة المشكلات في روسيا وتلك التي في اوكرانيا. والنهج هذا قد ينتهي الى ما لا تحمد عقباه على النظام الروسي. هنا ترتجى فائدة من المقارنة بين روسيا وأوكرانيا لفهم ما يجري. وفي كبرى مدن شرق أوكرانيا تنظم منذ شهرين تظاهرات تحرض في العلن على العنف. وموسكو نفسها اجتاحتها موجة تظاهرات سلميّة قبل سنتين وتخللتها أعمال شغب. وعوقب بعض المتظاهرين بالسجن أربع سنوات. لكن أحداً من القيادة الروسية لم يشجب الضالعين في زرع الفوضى في شرق أوكرانيا. أمّا عن احتلال المباني العامة، فإن حادثة مشابهة وقعت في روسيا قبل 10 سنوات حين بادر أعضاء من الحزب البلشفي-القومي الى احتلال مبنى عام من غير توسل العنف. وانتهت الحادثة بحبسهم خمس سنوات على رغم انهم لم يلحقوا اي ضرر بالممتلكات. والسياسيون الروس لا يخفون تفهم دواعي المتظاهرين في دونيتسك الاوكرانية ولا يتسترون على دعمهم. أمّا عقوبة نهب مستودعات الاسلحة العائدة للجيش الوطني فتصل في روسيا إلى السجن عشرين عاماً، بينما تشير وسائل الاعلام الروسية الى حوادث مماثلة في حوض دونباس الاوكراني كفعل بطولي. ثم لا داعي للقول إن الدعوات الى الاستفتاء في شرق اوكرانيا من أجل الانفصال والتي تلقى ترحيب الكرملين لو حصلت في روسيا لنزلت بأصحابها أشد العقوبات. أخيراً، لا مجال للشك في أن المتمردين في الشرق يشكلون قوة مسلحة ومنظمة، ووفق القوانين الروسيّة قد يعاقب منظموها عشر سنوات سجناً. وهذه الظاهرة «الاوكرانية» تشبه إلى حدّ بعيد نشاط القوات الإنفصاليّة في الشيشان، والتي كما نعلم شن الجيش الروسي ضدّها معارك عنيفة. لكن موسكو تهدد كييف بأن أي استعمال للقوة ضد المتمردين في الشرق سيعتبر جريمة. أيعني ذلك أن الرئيس الروسي يعيد النظر في سياسته؟ لا يخفى ان الكرملين يدعم المتمردين في شرق أوكرانيا ويتخلى عن سياسة «حفظ النظام» التي أرساها بوتين والتزمها منذ 15 سنة. وروسيا هي موطن عدد كبير من «الناطقين بالروسية» الذين يرون ان بعض حقوقهم مهدور، ولا يسعهم انتخاب ممثليهم بشكل مباشر، ولا يملكون الحقّ في استفتاء للمطالبة بحكم ذاتي أكبر. لذلك، ألا تجازف سياسة الكرملين الاوكرانية باستقرار روسيا في وقت تسبغ الشاشات المحليّة على المتمردين صفة الابطال؟ ويبقى السؤال المنطقي، ألا يحقّ للمواطنين الروس ما يحقّ للأوكرانيين؟ يبدو أن الكرملين صار مهتماً بنشر مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان في البلاد المجاورة، وهو ما درج عليه الغرب في روسيا وجوارها. وكانت الامور على ما يرام حين كان الموقف الروسي واضحاً: عدم السماح بالتدخل الخارجي في شؤون «الديموقراطيات السيادية». ولكن يبدو الآن أن كل شيء تغير، فالكرملين يريد ان يحدد خطاب كييف وسياستها ودستورها. هل يعني هذا أن مبدأ عدم التدخل طوي؟ وينعت الكرملين سلطات كييف الجديدة بالعصابة الاجرامية الفاشيّة، على رغم أن الوقائع تشير إلى التالي: أولاً، روسيا هي من أقدم على قضم القرم بذريعة حماية جالية روسيّة هناك، ما يعني أن موسكو، وليس كييف، هي التي تنتخب القومية ركن سياستها. ثانياً، الفوضى اليوم مصدرها الروس وليس الاوكران. ثالثاً، معظم قادة اليمين المتطرف الاوروبي مثل أوربان (في هنغاريا) ولوبن (في فرنسا) يشدون أزر زعيم الكرملين «المعارض للفاشية» ولا يقفون وراء حكومة كييف «الفاشيّة». ورفع الكرملين سياسة قومية محافظة وايديولوجيا انتقامية الى مصاف عقيدة الدولة، يقوض بنى الدولة الروسية المتعددة القومية والتي يفوق فيها عدد القوميات نظيره في أوكرانيا. تهدف الحملة الروسية الدعائيّة الماكرة إلى تقويض سيادة دولة مجاورة وإضعاف وحدة اراضيها. بالتالي، لا تطيح روسيا نظام العلاقات الدوليّة فحسب، بل تسقط كذلك المبادئ والمفاهيم التي برزت في عهد بوتين. توحي سياسة الكرملين بأن السلطات عاجزة عن تقويم أدائها. فهي لم تقم وزناً للعقوبات الدولية، وتستخف باحتمالات اندلاع فوضى داخلية حالما تخف الاثارة حول القرم وشرق اوكرانيا. وهذا يعني أن عواقب سياسة روسيا سترتد عليها وتنزل بها كارثة. * مدير مركز المجتمع المابعد صناعي، عن «فيدوموستي» الروسيّة، 30/4/2014، إعداد علي شرف الدين