خيري منصورما طرأ على المجتمعات في الغرب من متغيرات خلال العقود الأربعة الماضية، بقي معظمه خارج المرصد في عالمنا العربي؛ لأن نمط التفكير السائد يميل إلى قياس الراهن على ما مضى، وأحياناً هناك من هم أعداء لما يجهلون على طريقة المثل السلبي القائل، ما تعرفه أفضل مما تجهله، والحقيقة أن المتغيرات في الغرب ليست اقتصادية أو سياسية فقط، وهناك عوامل عديدة تمارس نفوذها من داخل الثقافة ومن وراء كواليس الميديا، وحين بشر كتاب أمريكيون من طراز فوكوياما ذي الأصل الياباني بنظام عالمي جديد، لم يكن صدى هذه الأطروحة في أوروبا سهل الهضم، لهذا تعاقبت ردود عديدة على هذا الطرح من فرنسا بالتحديد، وهناك أكاديميون وفلاسفة قلما يتحدثون في السياسة بمعناها الإجرائي ترجلوا عن منصاتهم العالية، وأدلوا بدلائهم دفاعاً عن ثقافة عريقة، فالقارة الشقراء بالنسبة إليهم ليست العجوز التي تحدث عنها رامسفيلد، وهناك رسامو كاريكاتور في بريطانيا عبروا بشكل مثير ويقارب الهجاء عن رفضهم لتبعية بلادهم، خصوصاً في حرب الخليج؛ بحيث وصف أحدهم لندن بأنها ضاحية نائية من ضواحي واشنطن!لكن محاولات أوروبا منذ تسعينات القرن الماضي للاستقلال لم يحالفها الحظ، والدول التي حاولت التغريد خارج السرب الأمريكي سرعان ما عادت إما بحثاً عن غنائم في حروب ساهمت فيها أو لأن القوة الأعظم لم تفقد من جبروتها ما يكفي لأن تحول أوروبا الضارة الأمريكية إلى نافعة لها!وأوروبا رغم بحثها الدائم عن سياقات اقتصادية وأمنية تلتئم من خلالها تعاني هي الأخرى هواجس سيادية واستقلالية عن بعضها، وقد يكون النموذج البريطاني أحدث مثال لذلك، فهناك من المعلقين الأوروبيين من اتهموا بريطانيا بأنها تعاني النوستالجيا الإمبراطورية، وبرر هذا القول نتائج الاستفتاء التي كانت لصالح قرار الانفصال.ولو قيض لمرشحة الجبهة الوطنية لوبان أن تفوز في الانتخابات الفرنسية لربما كان من أولوياتها انسحاب فرنسا من حلف الناتو أو إعادة فرنسا إلى فرنسا حسب تعبيرها.