كانت الحلقات الثلاث الماضية عن أربع فائزات بالجائزة، ثلاث في الطب وواحدة في الدراسات الإسلامية.. وقد اخترت تلك الفائزات الأربع لما في حياة كل واحدة منهن من عبر ودروس.. وفي هذه الحلقة سيكون الحديث عن فائز في مجال خدمة الإسلام، وبالتحديد عن رئيس وزراء تركيا: السيد رجب طيب أردوغان، الذي فاز بالجائزة سنة 1431هـ - 2010م.. وكانت لجنة الاختيار برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله.. ومن أسباب الحديث عنه كثرة الكلام عنه في الأيام الأخيرة، وإضافة إلى ذلك فإن معرفة تاريخ حياته تدل على أنه رجل عصامي من العظماء. وُلِد دولة رئيس الوزراء التركي رجب طيَّب أردوغان في مدينة إستانبول التركية سنة 1373هـ - 1954م لأسرة مسلمة رقيقة الحال من أصول قوقازية.. ونشأ في حيِّ قاسم باشا، أحد أفقر أحياء إستانبول.. وكان أثناء دراسته يبيع المشروبات الغازية والبطيخ والسميط ليُوفِّر لنفسه ولوالده دخلاً إضافياً.. وقد أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة «الإمام خطيب» الدينية.. ثم واصل دراسته الجامعية في الاقتصاد وإدارة الأعمال في كلية أكساري لعلوم الاقتصاد والإدارة التي أصبحت، فيما بعد، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة مرمرة. وقد بدأ أردوغان نشاطه السياسي بانضمامه - في أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الماضي - إلى حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان.. ولكن، بوقوع الانقلاب العسكري في تركيا سنة 1400هـ - 1980م، تَمَّ إلغاء جميع الأحزاب السياسية، ولدى عودة الحياة الحزبية إلى تركيا سنة 1403هـ - 1983م، واصل أردوغان نشاطه في حزب الرفاه في محافظة إستانبول، وفي السنة التالية رَشَحه الحزب لمنصب عمدة إستانبول، وفاز على منافسيه بالمنصب.. وكانت بلدية إستانبول ترزح تحت ديون ثقيلة حين أصبح عمدة لها، فنجح في التغلُّب على الديون خلال فترة وجيزة، وحَقَّق طفرة اقتصادية ومُعدَّل نُموٍّ يزيد على7 بالمئة.. وقام بزيادة أجور العمال، وأنجز إصلاحات أساسية في مجالي الصحة والرعاية الاجتماعية لسكان المدينة، مما أكسبه شعبية كبيرة في إستانبول وعموم تركيا.. واختاره حزب الرفاه رئيساً لفرع الحزب في إستانبول، ومن ثَمَّ عضواً في اللجنة المركزية للحزب.. وفي سنة 1406هـ - 1986م، أصدرت المحكمة الدستورية التركية حكماً بإلغاء حزب الرفاه بدعوى مناهضته الدستور وتهديد النظام العلماني في تركيا، وقضت بحرمان رئيسه أربكان من المشاركة في الحياة السياسية.. ولكن أردوغان لم يَتوقَّف عن النضال، فأُلقي القبض عليه.. وقضت محكمة أمن الدولة التركية بسجنه وحرمانه من العمل الحكومي والترشُّح للبرلمان، وفقدَ وظيفته كعمدة لمدينة إستانبول.. وفي سنة 1421هـ - 2001م أسس - مع عبد الله غول - حزب التنمية والعدالة، الذي اكتسح انتخابات 1424هـ - 2003م النيابية في تركيا، وتَمَّ تعديل الدستور مما سمح لأردوغان بِتولِّي رئاسة الوزراء. وسرعان ما أصبح أردوغان أنموذجاً للقيادة الواعية الحكيمة، ورجل دولة يُشار بالبنان إلى نجاحاته الكبيرة ومواقفه العظيمة، وطنياً وإسلامياً وعالميّاً. فعلى المستوى الوطني قام بحملات من التنمية الاقتصادية والاجتماعية أَدَّت إلى نهضة حقيقية في بلاده جعلتها تواكب مسيرة الدول المتقدمة، اقتصاديّاً وصناعيّاً، مع التمسُّك بمبادئ الديمقراطية والعدالة. وعلى المستوى الإسلامي قام، مُؤيَّداً بثقة الشعب التركي العظيم وتأييده، بخدمة قضايا الأمة الإسلامية وفي طليعتها قضية فلسطين العادلة، حيث برهن على أنه في طليعة المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني. وعلى المستوى العالمي فإنه في طليعة المؤسسين المسلمين لتآلف الحضارات على أساس من الحوار البناء والانفتاح، انطلاقاً من مبادئ التعاون والتفاهم الدولي مما جعل لوطنه تركيا مكانة مُقدَّرة بين شعوب العالم ودوله. وتقديراً لإنجازات أردوغان العظيمة، نال تقدير العديد من المحافل وفي سنة 1425هـ - 2004م اختارته منظمة صوت أوروبا «رجل أوروبا الأول»، كما نال جائزة الشجاعة لدوره في تعزيز السلام بين الثقافات، وجائزة البحر المتوسط، وجائزة بحر قزوين لتنسيق شؤون الطاقة، وجائزة «بناء الجسور» من اتحاد علماء الاجتماع المسلمين في بريطانيا، وجائزة مؤسسة الديمقراطية والحرية في فرنسا، ووسام باكستان (أعلى وسام مدني في باكستان)، وجائزة توغورت أوزال للسلام العالمي.. كما منحته تسع جامعات أمريكية، وأوروبية، وعربية درجة الدكتوراه الفخرية. وفي احتفال منحه الجائزة، الذي كان برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، نائباً عن خادم الحرمين الشريفين، ألقى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز رئيس هيئة الجائزة كلمة بليغة مختصرة.. ثم جاء دوري فقدمته بقصيدة الأبيات الثلاثة الأولى منها تشير إلى كلمة الأمير خالد: هَكذا هَكذا يَكونُ البَيَانُ حِين يُلقيه شَاعرٌ فَنَّانُ أَسلمت أَمرَها إليه القَوافي رَافلاتٍ بِسحرها تَزدان وإذا رام أن يُنمنمَ رَسمْاً طَاوعتْه فيما يَرومُ البَنَان إِيهِ والمُلتَقَى زِفافُ عَرُوسٍ حين تَبدو تَغار منها الحِسَان جُلِّلت بالعَفَافِ ثَوباً قَشيباً وبما رَاق وُشِّيت أَردان عَيْبُها أَنها تَتيهُ شُموخاً وبها للعُلا هَوىً وافتتان سَألوها: مَن العَرِيس؟ فقالت: رَجبٌ طَيِّب النَّبا أَردوغان فَارسٌ لاح في المَواقفِ حُرّاً لم يَجدْ مَسلكاً إليه الهَوان شَمَمٌ لا يُذَلُّ أَوحاه مَجْدٌ أُسُّ مَبْناه جَدُّه عثمان ورِحابُ الزِّفافِ دَارٌ حِمَاها لأِهَاليه في الوَرَى عَزَّ شان وَطنٌ في يديه كَسْب المعالي إن تَسامت إلى العُلاَ أَوطان شَادَه وِحدةً عَزيمةُ فَذٍّ لم يَنمْ مثلما يَنامُ الهِدان وامتطى الحَزمَ ظَهرَ مُهرٍ أَصيلٍ فَتَجلَّى على الرُّبوعِ الأَمان واكتستْ بُردةَ العَدالة حُكْماً مَورداه الحديثُ والقرآن واقتفى خَطوَه بَنوه مُلوكاً مثلما كان طَيِّبَ الذِّكر كانوا رَفعوا رَاية التقدُّمِ نَهْجاً وهُدَى الوَحيِ في المَسير الضَّمَان وتَولَّى قيادةَ الرَّكب شَهْمٌ في سُويداءِ قَلِبه الإنسان غَذَّ في السير واثقاً في خطاه عَاهلاً شَدَّ أزره سلطان فَتَوالتْ بَشائرُ الخَيرِ تَتْرَى والمَشاريعُ فِعلُها البُرهان وأَنا العاجزُ المُؤمِّلُ صَفحاً عن قُصورٍ فيما حَوَى التِّبْيَان