لكأنه بالأمس كان!!! بالأمس تماماً كان التحري للشهر الكريم... العربات التي تُجرُّ في الأسواق تملأها الأغراض نفسها التي ملأتها العام.. البرامج التلفزيونية والمسلسلات تعاود في سرعة رهيبة الإعلان عن نفسها عبر القنوات التلفزيونية في انكشاف مربك للعبة التمثيل وتبادل الكراسي في الأدوار!! سفرة الإفطار وتخمة السحور... الأحاديث نفسها بعد الإفطار... امتداد للأيام الماضية من أيام الشهر الكريم العام الماضي!! من يصدق أن بين رمضان الآن ورمضان الأمس مضى عام كامل!! عام بأحداثه وتقلباته، آماله و إحباطاته، وأفراحه وأحزانه، ومكاسبه وخسائره!!! الوحدة الزمنية واحدة منذ خلق الله الكون.. لكن الشعور بسيرورة الزمن ليس واحداً مطلقاً... فيما مضى كانت حسبة «العام» طويلة ومديدة وثقيلة.. حين يكون الميعاد «بعد سنة» ينفلت عدَّاد الحساب من الدماغ، ينهك من طول الانتظار ورصد مضي الأيام... فلا تحري لحدث سيطول انتظاره... الآن غدت السنة مثل اليوم... السنة والسنتان والثلاث تمضي في سرعة مدهشة ومقلقة ومثيرة للفزع... الناس ما عادوا يكبرون سريعاً على نحو ما مضى.. الآن ملامح من في الخمسين تشبه ملامح من في الثلاثين!!... ومن هو في الثلاثين كمن هو في العشرين!!... لا فرق كبير.. عشر سنين تعبر ملامح الإنسان اليوم بالكاد تحدث فيه تغيراً ينبئ عن التقدم في العمر... ما عاد الإنسان يلتفت لسيرورة الزمن ولا يعيره انتباهاً.. فما عاد الزمن، بالتالي، يلتفت إليه ويغير في ملامحه كما كان يستبد في الماضي!!! لكن هل فعلاً الشعور بالزمن هو ما تغير؟ أم لأن وعينا ونحن صغاراً تجاه الزمن لا يشبه وعينا الآن بعد أن كبرنا؟!! الأطفال الآن ما زالوا يستثقلون مضي الوقت كما كنّا فيما مضى نستثقله!!... حسبة «الأسبوع» عند الصغار تعادل عاماً بالنسبة لوعيهم؟!! يحتفل الصغار بميلادهم الأول بوصفه حدثاً جللاً مهيباً... أن تعيش عاماً كاملاً!!! عام بعد عام بعد عام تغدو فكرة الاحتفال بالميلاد كل عام ترفاً و «سخفاً»!! نسخ مكررة للسنين لا فروقات كبيرة بينها... ربما ما عاد يعنينا الالتفات للزمن لأننا لا نتحرى غائباً.. لا نتحرى مفقوداً!! لا نتحرى عودة مسافر!! لا نتحرى عودة وطن!! لا نتحرى عودة عافية!! لا نتحرى تحقيق أمل!!... وكل الذين يتحرون غائباً أو مفقوداً تتوثق وشائجهم بالزمن، تتسمر أعينهم بعقارب الساعة، ويغدو للزمن قيمة عليا في حياتهم.. لأن وجودهم مرتهن بالساعة واليوم والشهر والعام والسنين.....