تتفوه بنصف الكلام, لا تقول كل شيء, تنطق بنصف الحقيقة. تحاول أن تحشد كل أسلحة النساء لتجعله يصدق كلامها. تغازل مرة، تتغنج مرة أخرى وتتدلل أحياناً. تغترف من بئر الوهم مرات عديدة ليصدق نصف كلامها. هيامها به لم يمنعها من ارتكاب هذا الجرم الأبيض. هو كذلك يعشقها حتى الثمالة, لكن لا مفر لها من نصف الكلام. حتماً لن يؤاخدها على ذلك إن اكتشف الأمر لأنه مازال يعتبرها صبية تحمل بين ثناياها براءة الأطفال. في حين تعتبره أذكى الناس. عادة ما ترى العاشقة حبيبها بعين العشق, ونادراً ما تكون عين العشق صادقة فيما ترى. ابتسامته الرزينة التي تعكس حرصه عليها كحرص المرأة على مجوهراتها لاتفارق محياه وهو ينتشي بارتشاف قهوته السوداء. غالباً ما تنقطع أنفاسها وهي تحملق في قسمات وجهه التي ترمي بها في حيرة عشقها العنيف. كالمتصوفة تنصت لكلماته المتدفقة كشلال دافئ, تحدق في عينيه بجسارة تكسوها مسحة السكينة, تذوب في رموش عينيه التي تشبه رموش عيني الخيول العربية الأصيلة. تسافر عبر قسمات وجهه المتلحفة برداء شمس الصحراء, لا يصمت ولا يترك لها إلا نصف الكلام. يرمي بها في جب ذكرياته البئيسة. ينظر للحياة بتشاؤم كبير ولا يثق بأحد. يحكي لها عن عوالم (أبناء العاهرات) كما يسمي الكل. تصفعها الصفة التي ينعت بها الكل, الكل عاهر أو ابن عاهرة. كادت تغلق أذنيها كما أغلقت عينيها حينما اخترقت هذه الكلمات طبلتيهما أول مرة. لكن حاولت ما أمكنها أن تُأقْلِم حواسها على سماع مثل هذه المصطلحات. الحياة كذلك لاينعتها إلا ببنت العاهرة, فكدماتها هي من أجبرته ليسمي الأشياء بمسمياتها، هكذا كان يقول لها ليبرر كلامه الذي كانت فيما قبل تعتبره كلاماً ساقطاً وسافلاً. كان سرده يغرف من مصطلحات أبناء حيه الفقير. كلمات (زنقاوية) كما كان يسميها، نسبة إلى لغة الزنقة أو الشارع، تخرج من فمه بسلاسة غريبة كأنها كلمات عادية. قال لها مرة إنه لكي لايخدش معاني الكلام يجب عليه أل يتعفف في حديثه. فأجابته أنها تتعفف في ذلك ولا تتفوه إلا بنصف الكلام.