×
محافظة المنطقة الشرقية

طائرة تعود إلى الرياض... بعد وصولها «القيصومة»

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي ثلاثة رجال يرفعون جثماناً من نهر. وإذ ينحنون فوق الميت، تنفلت إحدى ساقيه من ردائها وتقع في المياه. والصورة هذه تنعتق من قيد الكآبـــة المرضية وتحمل جمالاً يشبه الخشوع. وعناصرها تتناغـــم وترسي توازناً بين ألوان المياه الفضية الباردة والصـــخـــور وأشجار الشتاء العارية من جهة، وبين مشهد اللــــوحة المركزي الأليم، من جهة ثانية. ومن يلم، ولو إلمـــاماً ضعــيفاً، بأعمال عصر النهضة الفنية يدرك أوجه الشـبه بين هذه الصـــورة ولوحة «المُسجى المصلوب». ففيــها جمال اللحظة التراجيدية الصامتة التي تجمع بين نقيضين: فجاجة الجسد والورع الماورائي. ولا يخفـــى أن المصورة أزادة أكلجي، 36 سنة، متأثرة بلوحات كــارافاغيو، ولكنها تستوحي حوادث إيرانية معاصرة. وأطلقت على لوحتها اسم أديب إيراني بارز ونـــاقد اجتماعي يشتبه أن نظام الشاه قتله. وأرفقت اسمه بتاريخ وفاته: «صمد بهرنجي/3 سبتمبر (أيلول) 1968». واللوحـة هــــذه تمثيل لحادثة انتشال جثة بهرنجي من النهر. وأكلجي تربط خيوط حوادث قاسية بخيالات شعريـــة وتحيكـــها في لوحة واحدة. وهي واحدة من جيل مــــن المصورين الإيرانيين الذين ذاع صيتهم في الـخارج. وتعرض أعمال ثمانية منهم، وهي ضمنهم، في معرض «جيل محترق» في مركز «سومرست هاوس» بلندن. وعنوان المعرض هذا هو صفة تطلق على الإيرانيين المولودين بين 1963 و1980، وهم أبناء جيل خلفت فيه الثورة الإسلامية في 1979 والحرب الإيرانية – العراقية أثراً بالغاً. وعلى رغم العنف والقمع، تبرز أعمال فنية جريئة في إيران، وأكثرها جرأة في مجال فن التصوير. وفي معرض صور عنوانه «ضوء من الشرق الأوسط» نظم في لندن في 2012، عرضت أعمال 30 فناناً شرق أوسطياً بينهم أكثر من 8 إيرانيين. ويرى مارتن بارنس، وهو أمين مركز صور «في أند آي»، أن المصورين الإيرانيين يحملون شعلة أعمال تعود إلى القرن التاسع عشر حين رسخ فن التصوير جذوره في الثقافة الإيرانية، وأينعت بذوره في القرن العشرين وظهرت في أعمال أمثال المصور - الصحافي الأسطوري، عباس، والمصور والباحث بهمن جلالي (1945-2010) الذي افتتح أول متحف تصوير إيراني. ويساهم التصوير الرقمي في ازدهار هذا الفن، وييسر ذيوعه. وبرز جيل في إيران ينتهج التصوير سبيلاً إلى «التفكير في معنى حوادث وعلاقة مسائل مثل الحرية والرقابة والتقاليد والحداثة بالخيال». ومعرض «جيل محترق» هو دليل على ما يسوقه بارنس. ففي الصالة- المدخل تعرض سلسلة عنوانها «نظرة» للمصورة تافاكولين. فنرى شابة جالسة على سريرها ومنديلاً بين يديها، وهاتفين خليوين مضجعين في جوارها ووجهها يلفه الارق، ورجلاً أصلعاً منهاراً على أريكة (صوفا)، والغضب والذهول على وجهه. وتافاكولين أقنعت جيرانها بالإفصاح عن «جوانيتهم» ولحظات حيواتهم الداخلية المشوبة بالتوتر والاضطراب في شقتها وأمام عدستها. «نحن نعيش في مجتمع متناقض» هو عنوان سلسلة صور للثنائي المصور المعروف بـ علي وراميار. ومسرح الصور هذه هو شقتهما كذلك. وهي صور انفصال وتفكك عرى عائلية: رجل مسن يدير ظهره لابنته إذ تدخن سيجارة والرغبة في الاستقلال تملأ وجهها وتلفه، وصورة رجل يواجه أبناءه وهو يقطع الخضار ويرفع السكين ملوحاً بتهديد مبهم. وتودع في كل صورة معان تخفى على الناظر المتسرع الذي لا يدرك أن كل عناصرها، من الكتاب الذي يطالعه المرء إلى طراز ملابسه، حافل بدلالات ويمتحن حدود الرقابة. وفي صور تافاكوليان، يتساءل المرء عن دلالة تصوير شابة في غرفتها وشعرها البني الكستنائي معقود إلى الخلف مثل ذنب الحصان، في بلد يحظر سفور المرأة. وترى تافاكوليان، وهي كانت مصورة صحافية إلى حين شن حملة القمع على وسائل الإعلام اثر موجة الاحتجاجات في 2009، أن القيود في عالم الفن أخف من تلك المفروضة على عالم الصحافة. ولكن عناوين صالات العرض الفنية في إيران سرية من غير واجهة على الطريق أو لافتة تعلن مكانها. ويبدو أن الرغبة في النجاة من نيران غضب السلطات حمل المصورين على الابتعاد من التصوير المباشر إلى صور شاعرية.     * عن «فايننشل تايمز» البريطانية، 16/4/2014، إعداد م. ن.