مع تضاعف القضايا الكبيرة في مصر التي تبدو جلساتها عبثية واحكامها سريعة ومبالغاَ فيها، اصبح القضاء المصري في مرمى نيران المنظمات الحقوقية التي تتهمه بأنه صار أداة في يد السلطات لقمع انصار الرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي. وأثار الحكم بإعدام قرابة 700 شخص من انصار مرسي بينهم المرشد الأعلى محمد بديع، الاثنين بعد جلسة محاكمة واحدة عاصفة احتجاجات دولية جديدة بعد شهر من حكم صادم مماثل. وكل يوم تقريباً، تعقد جلسات وتؤجل في محاكمات مثيرة للجدل ولم يعد المدافعون عن حقوق الانسان والمحامون يعرفون ما يمكن عمله ازاء قضاء يدين بلا تمييز عشرات بل مئات الاشخاص من دون أن يتم فحص ملفاتهم في بعض الاحيان. وفي نموذج صارخ على ذلك، صدرت الاثنين في المنيا أحكام بالإعدام على اشخاص فارقوا الحياة واخرين غادروا البلاد قبل وقوع الجرائم المنسوبة للمدانين في ما اعتبرته الامم المتحدة "قضايا جماعية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر". وأبدت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الانسان نافي بيلاي الثلثاء صدمتها لأحكام الإعدام الصادرة على 683 من انصار الرئيس المعزول محمد مرسي، من بينهم المرشد العام لجماعة "الاخوان المسلمين" محمد بديع، بعد شهر من احكام جماعية سابقة. وقالت بيلاي في بيان إن "من المشين ان تُصدر الغرفة السادسة في محكمة المنيا للمرة الثانية في غضون شهرين، احكاماً بالاعدام على عدد كبير من المتهمين بعد محاكمات صورية". من جانبها، قالت سارة ليه ويستون مديرة ادارة الشرق الاوسط في "هيومن رايتس ووتش": "إذا كان لدى أحد شك في أن مصر تسعى الى القضاء على اي معارضة سياسية، فإن هذا الشك تبدد مع هذا القضاء الهزلي". ورأت أن "السلطات المصرية تُنزل أحكام الإعدام بالناس كأنها توزع الحلوى. هذه الأحكام المروعة دليل إضافي على مدى تحطم نظام القضاء المصري". ومنذ اطاحة مرسي في الثالث من تموز (يوليو) 2013 قتل اكثر من 1400 متظاهر من انصار مرسي وتم توقيف 15 الفا من مؤيديه. وبدأ القضاء في اصدار احكام ادانة ثقيلة كذلك ضد حركات احتجاجية اخرى يسارية وعلمانية. وصدرت مئات الاحكام بالسجن المؤبد او بالاعدام واحكام ثقيلة بالسجن على العشرات. وكانت احكام بالسجن 11 عاما صدرت ضد فتيات صغيرات بعضهن قاصرات وكلها احكام تم بعد ذلك الغاؤها او تخفيفها من قبل محاكم الدرجة الثانية. وتخيم الفوضي على المحاكمات. ففي واحدة من جلسات محاكمة مرسي على سبيل المثال يصيح صحافيون مصريون اثناء انعقاد الجلسة: "الاعدام .. الاعدام" بينما يتبادل محامو المتهمين ومحامو المدعين بالحق المدني في احيان اخرى التنابذ بالالفاظ في فوضى تامة. ومنذ ذلك الحين وبناء على طلب محامي مرسي، يجلس افراد شرطة في صفوف عدة في القاعة للفصل بين الصحافيين والمحامين. وأصبح محمد مرسي، الذي افتتح اولى جلسات محاكمته بخطاب حاد دان فيه "الانقلاب"، يمثل الآن مع المتهمين الآخرين معه في ثلاث قضايا في قفص زجاجي عازل للصوت. وقال واحد من هؤلاء المتهمين أخيراً عبر ميكروفون يتحكم القاضي في تشغيله وايقافه: "نشعر كأننا نحاكم غيابيا". ويوجد كذلك قصور في التحقيقات. ففي قضية تحظى بمتابعة اعلامية واسعة وهي قضية صحافيي قناة "الحزيرة" المتهمين بالتواطؤ مع الاسلاميين، قدمت النيابة سلسلة من "الادلة" مثيرة للدهشة: صور عائلية، تسجيلات لا يستطيع احد سماعها بينما يؤكد القاضي وحده انه "يسمعها جيدا جدا".... على المستوى الرسمي، تؤكد الحكومة المصرية ان "القضاء مستقل" ولكن في جلسات خاصة يقر مسؤولون كبار بأنهم منزعجون من مبالغات القضاة في بلد يواجه فيه الاخوان المسلمون كراهية من قطاع كبير من الرأي العام وتعبر عنها معظم وسائل الاعلام. ولا تثير احكام الاعدام التي صدرت في المنيا اي تململ بين السكان وتنتقد بعض الصحف "تباكي" منظمات حقوق الانسان والعواصم الغربية. ويقول الخبراء ان القضاء الذي لم يكن فعلا مستقلا منذ ستينات القرن الماضي، يشهد خلافات داخلية اذ حاول الاخوان المسلمون عزل القضاة الذين كانوا يتواءمون مع نظام مبارك واليوم صار هؤلاء يحاولون الانتقام. ويقول رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان جمال عيد انه "لم تكن هناك ارادة سياسية من نظام مبارك او الانظمة التي جاءت بعده لتحقيق استقلال القضاء وداخل القضاء التيار الداعم لمبارك وهو تيار كبير اعتبر ان 30 حزيران/يونيو نجاح له وبدا يمارس قمعا ضد تيار الاستقلال وضد الكتلة المؤيدة للاخوان". ويضيف: "يتم صبغ القمع بصبغة قضائية عبر احكام مسيسة تستند لمواقف سياسية وليس للقانون وبالتالي اصبح اغلب القضاء كأنه جناح من اجنجة السلطة الحالية وليس سلطة قضائية مستقلة". وقالت منظمة العفو الدولية ان "القضاء المصري اصبح متعسفا ومنحازا (..) وهناك خطر ان يتحول ببساطة الى درع في الالة القمعية للسلطات". مصرالازمة المصريةاخوان مصرالقضاء المصري