وأخيرا تحرك الفلسطينيون نحو بعضهم بدون وسيط عربي أو دولي، مبادرة تثبت بأن القيادة في فتح وحماس استوعبت ان القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأولى وأن فترة استثمارها عربيا انتهت مع انتهاء صراع الزعامات العربية، كما ان استخدامها كورقة مساومة من قبل بعض الاطراف لم يعد ذي معنى في ظل أزمة الشرعية والموت في سورية والتقارب الامريكي - الايراني، فحماس الورقة السياسية احترقت، وجاء دور حماس الحركة السياسية الفلسطينية، هذا التأهيل الوطني لسلوك المشاغبة والمقاومة القائمة على اعتبارات الخارج يحسب للقيادة في فتح التي استشعرت مسؤوليتها الوطنية تجاه المواطن الفلسطيني في غزة الذي انهكه الحصار ومل من حالة الضياع السياسي التي شلت تفكيره وأرضه. اثبت الرئيس محمود عباس بانه رجل المرحلة في القضية الفلسطينية فرفضه للاعتراف بالهوية اليهودية لدولة الاحتلال كان رفضا عمليا انفتح به على جميع مكونات الهوية الفلسطينية ليجعل من هذا المكون قيمة تفاوضية تطرح على طاولة المباحثات بدلا من ان تكون قيمة معطلة لا تعرف العمل الا في المعابر وفنادق طهران والدوحة وتركيا. وعلى الرغم من انتقاد بعض الاطراف السياسية لعملية المصالحة مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي يرى بأنها خطوة غير مفيدة، كما ذهبت بعض التحليلات بوصفها بأنها خطوة جاءت متأخرة، الا ان هذه الانتقادات اعطت اعتبارا للزمن الذي أوجد مسافة كبيرة من الاختلافات بين الفصيلين الفلسطينيين وجعل الشراكة في حل القضية الفلسطينية بين جزء من الشعب الفلسطيني واسرائيل ممكنا اذا استبعد جزء من الشعب الفلسطيني، الا ان الفصائل الفلسطينية المتصالحة اسقطت حساب الزمن الماضي واعطت اعتبارا للعمل السياسي الذي لا يقوم على كشف حساب سجلات الماضي، هنا خلق لحظة زمنية من جوف القضية الفلسطينية كحالة خاصة بالشعب الفلسطيني، وليس من زمنها الذي عرف الاصطفافات الاقليمية والمساومات العربية والدولية على حساب القضية الفلسطينية. في مقال سابق في هذه الزاوية ذكرنا بأنه ليس امام حماس سوى الرجوع الى حركة فتح والعمل من داخل فلسطين وليس خارجها، اليوم الفرصة قدمتها السلطة الفلسطينية في رام الله لحركة حماس التي فقدت ميزتها الاستراتيجية في سورية وعمق انتمائها الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، وجاء وقت الانتماء لقضية فلسطين والقدس والمفاوضات.. الابتعاد عن أرض الاستقطابات الاقليمية يتطلب من الرئيس الفلسطيني العمل على تحصين حركة حماس من الاختراقات الخارجية وخاصة من جهة تركيا وايران، حتى لا ترجع القضية من قضية تحديد مصير الى ورقة ضغط ومساومة بيد اطراف خارجية. إن نجح عباس بأن يجعل الصراع بين اسرائيل والشعب الفلسطيني صراع هوية مقابل هوية بعد ان اعلنت اسرائيل عن هويتها اليهودية، فسوف يخلق حالة انتماء عربية ليس في فلسطين وحسب بل في العالم العربي أجمع، وتكون هذه المرة الاولى التي يكون فيها الفلسطيني محركا للشعور القومي العربي وليس ورقة مساومة تعرض لتحرق أو شعارا يقتل الانسان ويسلب الارض، "هوية العرب تولد من جديد في فلسطين".