يعود تقليد المئة يوم الأولى لأي رئيس أميركي إلى أعظم رئيس أميركي في القرن العشرين، قد يقول البعض الأعظم على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة، فرانكلين ديلانو روزفلت (1882 ــ 1945)، وقد انتخب روزفلت في خضم الكساد العظيم والذي أدى إلى فقدان الكثير من الأميركيين لوظائفهم. وكان لقيادته الفذة أن أعاد الأمل لكثير من الناس، وفي موجة الهلع التي أصيب فيها الكثير وعرف حينها بالذعر المصرفي، حيث قام العديد من المودعين بسحب أموالهم من المصارف. وقد صدح الرئيس روزفلت في خطاب التنصيب «إن الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه»؛ وقد أصبح قوله مثلاً. ولم تكن إنجازاته خطباً بلاغية فحسب، بل أرسل الرئيس الجديد تشريعات عدة في المائة يوم الأولى من فترته الرئاسية الأولى لتخفيف المعاناة وخلق وظائف جديدة، وقد استطاع بفضل مهارته السياسة وقيادته القوية أن يمرر خمسة عشر تشريعاً لمعالجة آثار الكساد العظيم، وقد تناولت هذه التشريعات قضايا عدة، منها حماية المسنين وخلق فرص عمل وإعادة تنشيط القطاع الصناعي والزراعي وحماية المودعين في البنوك عبر تأمين مدخراتهم وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي. منذ رئاسة روزفلت أصبح «المائة يوم» تقليداً أميركياً بامتياز. وعادة ما يتعهد مرشحو الرئاسة بإنجازات عدة في خلال المائة يوم الأولى لرئاستهم، ولم يكن ترامب مختلفاً عمن سبقوه، فقد وعد، وتوعد، المرشح الرئاسي ترامب بمآثر عظيمة في خلال المئة يوم الأولى. وكان يوم السبت الماضي 29 أبريل تمام المائة يوم في المكتب البيضاوي. ومن ضمن أهم الوعود التي أطلقها المرشح ترامب، هو تعيين قاضي يؤمن بالدستور ويطبقه في المحكمة العليا، ولعل هذا الوعد الرئيس لترامب الذي استطاع أن يحققه في خلال المائة يوم بعد أن غير الجمهوريون الإجراءات الداخلية لمجلس الشيوخ. وفعلاً وافق المجلس على تعيين نيل قورسيش كعضو تاسع في المحكمة العليا. أما بناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك فكان أقوى الوعود الذي ما انفك ترامب يردده في كل حملاته الانتخابية، وكان يجهر بصوته أمام مؤيديه بأنه سيبني ذلك الجدار، ويرد عليه أنصاره بحماس نعم سنبني الجدار، ويتوعد بأنه سيجعل المكسيك تدفع تكلفة الجدار، وقد مضت المائة يوم ولم يستطع الرئيس ترامب إقناع الكونغرس على اعتماد ميزانية لبناء الجدار، فضلاً عن إقناع المكسيك لتحمل كلفة البناء. أما منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فقد باءت محاولتيه بالفشل الذريع، وقد أصدر الرئيس قراراً تنفيذياً لمنع دخول المسلمين من سبع دول إلى الولايات المتحدة حتى وإن كانوا يحملون تأشيرات صادرة من سفارات الولايات المتحدة؛ ولكن القضاة كانوا له بالمرصاد. فقد نقض قاضيان قراريه الرئاسيين لمنع دخول مواطنين من دول معينة للبلاد، بل أن كثيراً من المدن أعلنت أنها ستأوي المخالفين لقوانين الإقامة في البلاد. ولطالما توعد المرشح ترامب في حملته الانتخابية بإلغاء برنامج العناية الصحية الذي اعتمده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ووعد بإحلال محله برنامج صحي آخر، وقد أبدى الرئيس محاولة في خلال المائة الأولى من فترته الرئاسية وبمساعدة حزبه الجمهوري والذي يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، ورغم سيطرة الرئيس وحزبه على المؤسسات الرئيسة في الدولة إلا أن مشروع القرار لم يمرر، ولكنه عاود الكرة بعد انقضاء المائة يوم، ووافق مجلس النواب بفارق ضئيل على إلغاء وإحلال برنامج أوباما للعناية الصحية. وكي يعتمد كقانون يتطلب التشريع موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس. وقد واجه هذا التشريع كثيراً من النقد بسبب أن القانون الجديد لن يحمي المرضى المزمنين. كما أن التوفير المالي من تغير البرنامج الصحي لن يصب إلا في مصلحة الأغنياء والذين سيحظون بتخفيضات ضريبية. وقد أعلن المرشح ترامب بأنه سيجفف المستنقعات في واشنطن والتي ترتع فيها المصالح الخاصة، ولكن نظرة سريعة إلى وزرائه المعينين هم من أصحاب المليارات والملايين وأصحاب الأعمال والتجارة، فبدلاً من تجفيفها فقد أمدها ترامب بينابيع إضافية. وتوعد المرشح ترامب الصين بإجراءات قاسية لغشها التجاري، وقد أعلن ترامب نيته بتصنيف الصين كمتلاعب بالعملة؛ أي أن الصين تخفض من قيمة اليوان طلباً لتعزيز صادراتها على حساب شركائها التجاريين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وبعد تنصيبه رئيساً بأشهر معدودة، استقبل الرئيس الصيني في زيارة رسمية في سكنه الخاص مارغا لاقو في فلوريدا. وحينها تغير موقف ترامب وأعلن أن هناك تقدماً تحقق في المفاوضات مع الصين، وأن العلاقات مع الصين رائعة. ومن الوعود الانتخابية التي حققها في المئة يوم الأولى هي إزالة العوائق المفروضة على إنتاج الطاقة، وقد وقع الرئيس أمراً تنفيذياً لإزاحة القوانين المتعلقة بالطاقة النظيفة، وبالتالي مهد لاستخراج الفحم في بعض الولايات الأميركية، كما أنه سمح بالتنقيب عن النفط بالحقول البحرية، وقد منعت إدارة أوباما من التنقيب حفاظاً على البيئة. وهكذا مضت المائة يوم من حكم ترامب ولسان حالها يقول: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع!