النسخة: الورقية - دولي أبعد من الصيغة الوفاقية لمشروع القرار الأميركي حول الصحراء، أن التوصل إلى تفاهمات تكون طرقه سالكة في مجلس الأمن، لكنها تتعثر عند اختبارها على محك التنفيذ. ومنذ اندلاع النزاع الإقليمي قبل نحو أربعة عقود كان تمرير القرارات الدولية لا تعتريه صعوبات جمة. ولم يتم التوصل إلى وقف النار، إلا بعدما أحكمت القوات المغربية سيطرتها الميدانية وأقامت الجدار الدفاعي الممتد آلاف الكيلومترات. التفاهم الذي هيمن على مواقف الأطراف كافة، لناحية وقف النار والانقياد وراء تسوية سلمية، سرعان ما انهار، عندما أدرك الجميع أن استفتاء تقرير المصير لا بد أن ينجم عنه مساندون ورافضون لهذا الخيار أو ذاك، أي بقاء جزء من المشكلة عالقاً، ما حتم البحث في حلول بديلة توزعت بين بروفات أكثر واقعية تميل إلى صيغة لا غالب ولا مغلوب، لولا أن الوفاق قد يكون غاية من خلال طبيعة الحل المقترح ونوعيته، ويصطدم بتباين المواقف إزاء المرجعيات، هل تكون استفتاء مفتوحاً أم حكماً ذاتياً موسعاً أم يجمع بين مزايا الخيارين، وإلى حين الحسم في مسائل عميقة كهذه سيظل تعامل مجلس الأمن مع نزاع الصحراء محفوفاً بالترضيات، من منطلق أن يترك للأطراف المعنيين استخلاص الحل المناسب عبر المفاوضات التي ما إن تنطلق حتى تواجه أسباب الإخفاق، ولا يزال الموفد الدولي كريستوفر روس بعد مرور سنوات عدة يتلمس أفضل الطرق الممكنة لاستئناف المفاوضات العالقة. لا يزيد الاتجاه نحو طرح مسائل تحسين سجل المغرب وبوليساريو لأوضاع حقوق الإنسان عن وصفة علاج لتخفيف الآلام، لأنه مهما ارتقت هذه الأوضاع في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإنها لا تشكل بديلاً من محور الخلافات الجوهرية القائمة، أي تحديد مستقبل الإقليم الصحراوي. بل إن المفهوم الواسع لممارسات حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم إلا في إطار التزامات الدولة تجاه مواطنيها. وليس هناك أي ديموقراطية تقبل أن تنسحب مجالات هذه الحقوق على التشكيك في الوحدة وتغذية نزعة الانفصال. يضاف إلى الأزمة أن هذه الممارسات لا يمكن أن تكون متكافئة بين متطلباتها في المحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب وإدارته والأوضاع في مخيمات تيندوف. وبالتالي فإن إدراج خيار العودة الطوعية، كما في حق اللجوء، يسبق أي التزام. وما دامت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تتمكن من إجراء إحصاء لسكان المخيمات، على رغم دعوة مجلس الأمن، فكيف يراد تصور ممارسة هذه الحقوق، قبل معرفة من تشمل وأين ومتى وكيف؟ المأزق نفسه الذي آلت إليه جهود الأمم المتحدة في التسوية السلمية التي طاولت تنظيم استفتاء تقرير المصير، قد يرافق الطبعة الحالية التي تتخذ من «الحل السياسي» شعاراً لها، ذلك أن الغموض الذي يلف أوضاع المخيمات يلقي بظلاله على أي مشروع. وطالما أن الحل النهائي يقترن بالتعبير الحر عن الإرادة، فإن معرفة المشمولين بهذا الحق يظل أساسياً وجوهرياً. وبالتالي فإن إحصاء سكان المخيمات يعتبر منطلق أي تسوية. ولعل الخطأ الذي يلف منهجية التعامل والنزاع أنه ينطلق من فرضية وجود طرفين وحالتين وموقفين، وعندما تطرح مقاربة أوضاع حقوق الإنسان في ظل استمرار الوضع الراهن، فإن تلك تبقي التباعد القائم، لأنه إذا كان سكان المخيمات سينعمون بأوضاع لائقة في مجال احترام حقوق الإنسان، فإن ذلك يعني أن مصيرهم يبقى رهن الإقامة هناك في ظل شروط مخالفة للوضع الحالي، وهذا في حد ذاته ليس حلاً. كما أن تكريس الأوضاع ذاتها في المحافظات الصحراوية، من دون تحقيق أهداف عودة اللاجئين وجمع شمل العائلات سيظل ناقصاً. وإذا كانت خطة الاستفتاء قد أرست قاعدة تفيد بأن اقتراع السكان المؤهلين يتم في مناطق ولادتهم مع ثبوت الهوية، فإن هذا الجانب يبقى في صدارة الاهتمام، وأي حل يجرى البحث فيه خارج العودة الطوعية لا يزيد عن مضاعفة المعاناة. وقد تكون المقاربة الوحيدة القابلة لقيام تفاهمات تكمن في مراعاة الجانب الإنساني في الأزمة، بخاصة في ظل إخفاق المنظور السياسي. كيف السبيل إلى قيام وفاق حول البعد الإنساني؟ لقد جربت مفوضية شؤون اللاجئين طبعات مختلفة لمعاودة بناء الثقة، ومن ضمنها تكثيف خطة تبادل الزيارات بين الأهالي. ترى لو أنها رهنت هذا التطور باحترام إرادة السكان المعنيين في اختيار موطن إقامتهم، هل كانت المعاناة الإنسانية ستطول إلى هذا الحد؟ فالاختراق المطلوب في حال تعذره سياسياً، يمكن أن يحقق جوانب من الهدف على الصعيد الإنساني. وما دامت التقليعة الراهنة تميل إلى دعم أوضاع حقوق الإنسان واحترامها، فلا أقل من مراعاة حق العودة، كما اللجوء والاختيار.