جميل أن يكون في قلوبنا مكان لأناس نحمل لهم التقدير والمودة حتى ولو اختفوا عن الساحة بعد أن كانوا ملء السمع والبصر فاختطفهم الموت ولم يعودوا بيننا. فمع تعقد أمور الحياة غابت الصلات الاجتماعية المعروفة سابقاً كصِلة القربى والجيرة الحسنة اللتين وصّى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعد عيبا اليوم أن يقاطع الأبناء ليس فقط أشقاءهم وشقيقاتهم، بل وآباءهم وأمهاتهم ولا يكتفون بذلك بل ويتفاخر بعضهم بإشهار موقفهم دون ما خجل أو حياء. متناسين أن رسول الله علمنا بر الوالدين حتى لو كانا كافرين، أما حسابهم فليس من الأبناء ولكن حسابهم عند ربهم. يقول تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} العنكبوت : 8 *** ولقد سعدت بمقال الأخ والصديق العزيز الدكتور فؤاد مصطفى عزب الأسبوع الماضي بعنوان: (هل تتذكرون أبا وجدي؟) الذي ذكرنا فيه بمرور خمسة أعوام على رحيل صديقنا وأديبنا الكبير الأستاذ عبدالله الجفري. فبكلمات تحمل كل ما في الدنيا من حب .. وتقدير .. وألم الفقد .. وشجن الذكرى، يقول أبو فراس: «أبو وجدي الذي رحل مثل هذا الفجر ولم يكن أحد فينا يجرؤ على أن يقول له وداعاً .. هل تذكرونه ؟؟ • هل تذكرون ذلك الكاتب الأسطوري الذي كان يمنحنا كل صباح مودة وشجناً وشوقاً وخبزاً وياسمين ويفتح سفارة حب جديدة كل يوم. • المبدع الجميل القادر دوماً على اصطياد التفاصيل المدهشة والشخصيات التي تواجه الدنيا ليست مواجهة قدرية بقدر ما هي مواجهة إنسانية. • من أحب الكلمة والقلم وعرف كيف يروضها ويحولها إلى حروف تكتب البوح وسُحب تهطل عسلاً ونعاساً وماساً جميلاً وربيعاً يلغي الخريف وزجاجة عطر تعيد النسيم للنفوس كرائحة حبق خجولة. • من كان يطرق أبوابنا كل يوم بلا موعد في «نقطة حوار» ويأخذ قلوبنا بلا استئذان في «ظلاله». • من جعلنا نوقع على صك الاستسلام لحبه بلا نقاش». *** لقد وجدت مقال الصديق فؤاد عزب ليس فقط مناسبة لتحيته، وشكره على مقالته التي أثارت لدي كثيراً من الشجون عن صديقنا المشترك الذي كان بيننا من الود والتقدير ما لم يبح به أحدنا للآخر إلا متأخراً، وذلك عن طريق فؤاد عزب نفسه. فلم يكن الجفري - رحمه الله - يقيم صداقته على مصلحة، بل على ود يحمله في داخله أخر الكشف عنه ظروف العمل حتى لا تُفسر العلاقة بمصلحة، فلما تلاشت المصلحة أبداها وأفصح عنها في أكثر من مناسبة. وكان مقاله في عكاظ بعنوان: «خسارة الوطن في الصويغ!؟» في 22/مارس/2008، الذي علق فيه على تقاعدي من العمل الحكومي، تعبيراً صادقا أعتبره أجمل ما كتبه كاتب عن شخصي. وصدق أخي فؤاد عزب حين قال أن «كل الأسى أن تفقد صديقا حقيقياً .. فإذا كان لديك ابن تفخر به فتفخر به أمام صديق .. وإذا عشت فرحاً فستعيشه مع صديق .. وإذا أصابتك مصيبة فلن يخففها سوى حضور ومساندة صديق.. الحياة بلا صديق هي مقبرة كبيرة.. بيت بلا ورد». * نافذة صغيرة: [[أخشى أن نصل إلى مرحلة صعبة نصبح فيها ( مجتمعاً دفاناً) كما قال أستاذنا الراحل محمد حسين زيدان رحمه الله (..) فقد هاله قبل عقود حالة الدفن للوفاء، وأظن لو قدر له أن يكون بيننا في زمننا هذا لهان عليه ما شكا منه في زمنه، بعد أن أصبح الدفن جهاراً وبوجه قبيح دون خجل .. ومن لا يمارسه يعيش وكأنه غريب في زمنه وفي مجتمعه وعمله.]] الشريف خالد بن هزاع بن زيد nafezah@yahoo.com nafezah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain