بعد فترة وجيزة من رفع أسعار الفائدة في الأرجنتين بشكل غير متوقع 150 نقطة أساس لتصل إلى 26.25 في المائة الشهر الماضي، بدأت نكتة تعمم على "تويتر" مع صورة لفيديريكو ستورزينجر، محافظ البنك المركزي، فوق العنوان: "حافظ على الهدوء واعمل في تجارة المناقلة".كان تكييف شعار الحرب البريطانية مناسبا. كانت "تجارة المناقلة"، حيث يقترض المستثمرون بأسعار فائدة أقل بعملة معينة بهدف الاستثمار بأسعار فائدة أعلى في عملة أخرى، مستعرة في الأرجنتين منذ أقدمت الحكومة المؤيدة للسوق برئاسة الرئيس موريسيو ماكري على تحرير تدفقات رأس المال بعد تولي السلطة في كانون الأول (ديسمبر) 2015. واليوم هناك ما يقارب 27 مليار دولار مستثمرة في سندات البنك المركزي التي تستحق خلال 30 يوما أو أقل، وهي الوسيلة المفضلة لتجارة المناقلة.قال باتريك إسترويلاس، من شركة إيمسو لإدارة الأصول في نيويورك: "على مدى العام الماضي، كانت الأرجنتين بالتأكيد واحدة من أفضل مواقع تجارة المناقلة في الأسواق الناشئة".لكن هذا حدث من قبل. تعني الظروف الاقتصادية في الأرجنتين أنها غالبا ما تكون مهيأة لتجارة المناقلة. فهي بلد لديه تاريخ طويل من التضخم المرتفع وتاريخ طويل أيضا في محاولة إبقاء التضخم منخفضا من خلال العملة القوية – وهو عنصر رئيس لأية تجارة مناقلة جيدة. وفي الوقت نفسه، ارتفاع معدل التهرب من الضرائب وانخفاض معدل الادخار (بفضل التضخم المرتفع الذي أدى إلى نفور عام من المصارف المحلية) يعنيان أن الحكومات منذ فترة طويلة مضطرة إلى اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية.الفارق الرئيس في هذه المرة هو أن الأرجنتين لديها الآن سعر صرف عائم - على عكس ما كان عليه الحال في التسعينيات - عندما كان البيزو مربوطا بمعادل القوة الشرائية مع الدولار. بدلا من ذلك، قررت الحكومة الجديدة استخدام نظام يقوم على استهداف التضخم، على الرغم من أن هذا لا يزال في مهده.ويأتي أحدث هوس لتجارة المناقلة في الأرجنتين بعد أن تركت كريستينا فرنانديز دي كيرشنر – سلف ماكري - اقتصادا على حافة الأزمة رزء بواحد من أعلى معدلات التضخم في العالم. الحكومة الجديدة مقتنعة بأن الاقتصاد لا يمكن أن ينمو بشكل مستدام دون سحق التضخم، لذلك رفع البنك المركزي المتشدد أسعار الفائدة - بعض من أعلى المعدلات الاسمية الموجودة. قلة من الناس هي التي تتوقع أن تبدأ المعدلات في الانخفاض قبل حزيران (يونيو).اقتران السياسة النقدية المتشددة والسياسة الفضفاضة في المالية العامة، التي يجري تمويلها حاليا من قبل بعض من أثقل إصدارات السندات الخارجية في الأسواق الناشئة، كان يضغط أخيرا على سعر الصرف. ومن المقرر أن تدعم البيزو عوامل موسمية وفنية: حصاد قوي وتدفق الأموال من ثاني أكبر عفو ضريبي في العالم حتى الآن، الذي كانت نتيجته الإعلان عن نحو 117 مليار دولار - حتى إن بقيت معظم هذه الأموال في حسابات خارجية.لكن قوة البيزو الحالية تؤجج اختلالات متزايدة في الاقتصاد. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، وإن كان محدودا، في تقليص العجز المالي، فإن عجز الحساب الجاري آخذ في الاتساع، وسيواصل ذلك إذا ظل البيزو قويا. يقول والتر ستويبلويرث، رئيس قسم الأبحاث في "بالانز كابيتال"، وهو مصرف استثماري في بوينس آيرس: "عندما يقترب العجزان التوأم من 10 في المائة، فإن لديك مشكلة، ومشكلة كبيرة، والأرجنتين تقترب من هذا المستوى الآن".وبدأت السلطات في اتخاذ إجراءات. في الشهر الماضي أعلن البنك المركزي أنه سيزيد الاحتياطيات من نحو 10 إلى 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ظاهريا لجعل الأرجنتين أقرب إلى المرتبة الاستثمارية الممتازة. لكن الأسواق تعتبر ذلك دليلا واضحا على أنها كانت تضع حدا أدنى للبيزو، لأنه يعني مشتريات كبيرة بالدولار، ما يجعل الاحتياطيات تصل إلى 93.1 مليار دولار، أو 44.5 مليار دولار فوق مستواها الحالي، كما يقول سيباستيان روندو، وهو خبير اقتصادي في "بانك أوف أميركا ميريل لينش".وعليه، فإن أيام تجارة المناقلة ربما أصبحت معدودة - على الرغم من أنها سبق أن استمرت لمدة عشر سنوات، من 2013-2003.وستكون نقطة الانعطاف الكبيرة هي الانتخابات التشريعية النصفية المقرر إجراؤها في تشرين الأول (أكتوبر). ويتوقع معظم المحللين أن تقدم الحكومة أداء جيدا إلى حد معقول، وذلك أساسا بسبب الحالة السيئة للمعارضة - على الرغم من أن الاقتصاد المنتعش يفترض به أن يساعد أيضا. ومن شأن ذلك أن يحافظ على الهدوء بين المستثمرين الذين يراهنون على أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لماكري سيكون قادرا على علاج العلل الاقتصادية للأرجنتين. لكن حقيقة أن أموال المضاربة تتراكم في السندات المحلية للاستفادة من تجارة المناقلة تترك الأرجنتين مكشوفة في حال تغيرت الظروف سواء في الداخل أو في الخارج. قال دانيال ماركس، الذي كان وزيرا للمالية في وقت عجز الأرجنتين في عام 2001، إن الخروج الحاد من هذه "الأموال الساخنة" يمكن أن يسبب أضرارا جانبية كبيرة للاقتصاد المحلي. لكن بالنسبة للوقت الحاضر، يغلب على ظنه أن الحكومة ستتمكن من "شق الطريق كيفما اتفق".Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: بنديكت ماندر من بيونس آيرسpublication date: السبت, مايو 6, 2017 - 03:00