قالت أحزاب من المعارضة في تونس، أمس، إنها تدرس خططاً للتحرك والتعبئة ضد قانون المصالحة المالية والاقتصادية، الذي قدَّمَته الرئاسة التونسية، بهدف العفو عن عدد من كبار المسؤولين في النظام السابق.ومشروع هذا القانون هو مبادرة عرضها الرئيس الباجي قائد السبسي لأول مرة في 2015، بهدف عقد مصالحة مع المئات من رجال الأعمال، وآلاف الموظفين في الإدارة ومسؤولين سابقين من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، لكن هذه المبادرة لاقت معارضة واسعة من المجتمع المدني وأحزاب من المعارضة آنذاك.وبهذا الخصوص قال عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، لوكالة الأنباء الألمانية، أمس: «نحن معترضون على القانون منذ طرحه لأول مرة لأننا نعتبر أنه يتعارض مع الدستور والعدالة الانتقالية، ويدعم الإفلات من المساءلة».وإلى جانب منظمات من المجتمع المدني تنشط الآن خمسة أحزاب من المعارضة من أجل سحب مشروع القانون من البرلمان، أو الدعوة إلى إسقاطه لدى التصويت عليه. وقد أفاد أمين عام الحزب الجمهوري، الذي يشغل أيضاً منصب المتحدث الرسمي باسم الحكومة، بأنه سينظم مؤتمراً غدًا تحت «شعار تونس ضد الفساد»، وأنه سيطلق حملة ضد مشروع القانون، وقال إن «القانون هو بمثابة عفو عام عن مسؤولين وموظفين في الإدارة تورطوا في الفساد، ونحن لا نطالب بسجنهم، ولكننا نطالبهم بالاعتراف للشعب بما اقترفوه قبل العفو، وإبعادهم من الإدارة والمناصب الحساسة».من جهته، قال محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي المعارض إنه «يتعين على الرئاسة سحب هذا المشروع حتى لا يزيد من حالة الشحن والاحتقان، ونحن سنعمل على إسقاطه إن لم تفعل ذلك الرئاسة»، موضحاً أن القانون سيكون «بمثابة الوسيلة لخدمة الفاسدين وضمان استمرارهم في تمويل الأحزاب في السلطة».وفي المقابل، يقول حزب حركة نداء تونس، الذي يقود الائتلاف الحكومي ويدعم مشروع القانون، إن الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد تقتضي المصالحة، وإن القانون سيعزز فرص إنعاش الاقتصاد المتعثر.من جهة ثانية، حثَّت مجموعة من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية الناشطة في تونس، السلطات على اغتنام فرصة عرض التقرير السنوي لحقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، لإجراء مجموعة من الإصلاحات القانونية، التي تعتبرها جوهرية لاحترام معايير حقوق الإنسان على المستوى الدولي، ومن بينها إلغاء عقوبة الإعدام وضمان حقوق المتقاضين واحترام المحتجزين خلال مراحل الاحتفاظ بهم.ودعت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية ضد التعذيب، والجمعية التونسية للحُريات الفردية، بالإضافة إلى الجمعية التونسية للعدالة والمُساواة، وشبكة «دستورنا» ومنظمة «محامون دون حدود»، مختلف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تذكير تونس بوعودها التي لم تلتزم بها خلال المراجعة السابقة لسنة 2012.وقال وحيد الفرشيشي، رئيس الجمعية التونسية للحُريات الفردية، إن «أمام تونس فرصة لكي تبرهن للعالم اليوم أنها ملتزمة حقاً بمبادئ حقوق الإنسان»، مشدداً على أنه يجب على الحكومة أن تستغل فرصة المراجعة الدورية الشاملة هذه المرّة لمُواءمة قوانينها ومُمارساتها مع الدّستور التونسي الصادر سنة 2014، وقبول كل التوصيات المتصلة بتعهداتها الدولية دون أي التباس.وعلى الرغم من عدم تنفيذ أي حكم إعدام في البلاد منذ 1991، فإن السلطات القضائية التونسية حافظت على هذا الحكم في ترسانتها التشريعية، كان آخرها قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال الصادر سنة 2015، وانطلقت مشاركة تونس في جلسة مناقشة تقريرها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف السويسرية منذ الثلاثاء الماضي، وتولى مهدي بن غربية، وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، رئاسة الوفد التونسي الذي سيدافع عن وجهة النظر التونسية سواء على المستوى القانوني أو الأمني.ويعتمد التقرير التونسي على معلومات تقدمها السلطات الرسمية حول وضع حقوق الإنسان، ومن بين القضايا الأساسية التي أثيرت في التقرير المعروض في جنيف، مسألة تنسيق القوانين المحلية بما يتوافق مع دستور 2014، خصوصاً فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، واستمرار ظاهرة التعذيب في مراكز الأمن وأثناء التحقيق، واستعمال العنف المفرط خلال عمليات مكافحة الإرهاب، وحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ المعلنة في البلاد.وانتقدت منظمة العفو الدولية في تقرير لها صدر في بداية فبراير (شباط) الماضي، ما سمته انتهاكات حقوق الإنسان بتونس، في ظل إعلان حالة الطوارئ، ووثَّقَت عدداً من الانتهاكات خلال مداهمات أمنية لمتهمين بالإرهاب.وتواجه تونس مجموعة من القضايا المحرجة أثناء مناقشة تقريرها حول واقع حقوق الإنسان، ومن بين القضايا التي قد لا تجد حلولاً وسطى هناك مسألة المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وهي حقوق تعوقها المنظومة الاجتماعية وترفضها هوية المجتمع التونسي.