ظاهرة خطيرة، أصبحت منتشرة بشكل غريب بين أزواج هذه الأيام، وهي ظاهرة «الطلاق المبكر»، تلك التي جعلت من الزواج مجرد تجربة يخوضها الشباب وينتظر منها النجاح أو الفشل، بدلاً من أن يراه رابطاً مقدساً له التزاماته ومسؤولياته..«اليمامة» ترصد الظاهرة وتحاول الوقوف على أسبابها بعد أن باتت تدق ناقوس الخطر في مجتمعنا العربي بشكل مخيف. الأسباب الثلاثة! صدرت دراسات عديدة عن الظاهرة المستفحلة خلال السنوات القليلة الماضية كثمرة لجهود عدد من الباحثين ومراكز الدراسات المجتمعية في عدة دول عربية، لتقول لنا بناء على إحصائيات وزارة العدل في المملكة لعام 2015، أن 7.8 حالات طلاق تحدث في السعودية كل ساعة، أي نحو 188 حالة يومياً، وهذه النسبة لم تختلف عن إحصائية 2014، التي سجلت 4 حالات طلاق كل نصف ساعة!! وكان للطلاق المبكر (الذي يحدث في السنة الأولى من الزواج) نصيب كبير من تلك النسبة، حيث يُرجع المختصون هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، أهمها: التسرع في اختيار شريك الحياة، دون تأنٍّ أو دراسة جيدة لشخصية الطرف الآخر خلال فترة الخطوبة، ومن تلك الأسباب: عدم التكافؤ المادي أو العلمي أو الثقافي، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، وضعف الوعي لدى الزوجين، فضلاً عن تراجع الوازع الديني لدى الشريكين وضعف الاقتناع بقدسية الزواج. «ميرفت محروس»، متزوجة وتعمل معلمة بإحدى المدارس الخاصة، تخبرنا أن إحدى قريباتها للأسف كانت ضحية للطلاق المبكر، إذ خُدِعَت بثراء الزوج دون أن تتيقن من أخلاقه وقدرته على تحمل المسؤولية، وكانت النتيجة هي الطلاق بعد 7 أشهر من الزواج، وتضيف: «كانت البداية خاطئة، لم تكن فترة الخطوبة طويلة بالقدر الكافي كي تدرس شخصيته أو تعرف عنه الكثير، أظن أن ثراء الزوج قد أنساها كل شيء أو بالأحرى خدعها، ولاحقاً ظهر سوء أخلاق الزوج وتفاقمت المشكلات بسبب اختلاف طباع الزوجين، وتدخل الأهل أكثر من مرة للصلح بينهما، لكن الطلاق وحده كان الحل، وأظن أنه كان الشيء الصحيح الوحيد الذي تم فعله في تلك الزيجة». أما «حسني عبدالله»، محاسب، فيقول: «سهولة الزواج للمرة الثانية إذا أراد الزوج تجعل من الطلاق أمراً سهلاً بالنسبة له، وفي أحيان أخرى تكون الغيرة الزائدة لدى الزوج، والجفاف العاطفي أوعدم الإنجاب.. ويتابع: الأسباب كثيرة، وللأسف يكون الطلاق هو الحل الأسرع، لأن الزوج يكون صغير السن ومتهوراً، وقد يتخذ القرار بشكل متسرع، ومن الأسباب أيضاً مشكلة توهم الحب، حيث يظن الشاب والفتاة أن كلاً منهما يحب الآخر حباً عميقاً يؤهلهما للعيش معاً لكنهما عند حدوث أي مشكلة ينفصلان بكل سهولة»! أما «نهى محمود»، ربة منزل، فتقول: «إن اللوم الأكبر يقع على الرجل، لأن الرجال من المفترض أن يكونوا أكثر تحملاً وصبراً على زوجاتهم، خاصةً في السنوات الأولى للزواج، لكن عدم مرونة الزوج أو بخله المادي تكون من الأمور التي تدفع نحو الطلاق المبكر، هذا بخلاف مكائد الحموات وسماح الزوج لأهله بالتدخل في كل ما يخص حياته الزوجية». الخيال القاتل! بعض الناشطين أطلقوا هاشتاج تحت اسم «#أسباب_الطلاق» على موقع التدوين المصغر «تويتر»، يتبادلون من خلاله الخبرات الشخصية لأغلبهم حول أسباب الطلاق، وكان الطلاق المبكر من أبرز حالات الطلاق التي حدثت، من بين التغريدات.. كتب (دغيم بن نومان): «المطالبة بالكمال وهذا مستحيل، ورسم صورة مثالية خيالية قبل الزواج، وعدم تنازل الطرفين عن بعض حقوقهم لكي تسير الحياة»، في حين كتبت (نورا كمال): «أفكار الجيل الجديد ورغباتهم واحتياجتهم اختلفت كثيراً عن الجيل القديم، لذا الطريقة التقليدية في الزواج لن تجدي نفعاً»، بينما أرجعت (أبرار المطيري) سبب الطلاق مبكراً أو متأخراً إلى تدخلات الأهل إذ كتبت: «الأهل ثم الأهل ثم الأهل، بجميع الحالات»، بينما أعاد (سالم الغزوي) تغريد مقولة للشيخ علي الطنطاوي قال فيها «لبثت قاضياً 27 سنة.. فوجدت أن أكثر حوادث #الطلاق سببها: غضب الرجل الأعمى، وجواب المرأة الأحمق»، في حين كتبت (فرح): «جيل يفتقر إلى الصبر والتحمل، الانفصال هو أول حل يفكران فيه بعد الزواج، والدليل أن نسبة الطلاق المرتفعة أغلبها تتم في أول سنتين». (ع. س.) تزوجت من زميلها في العمل الذي أحبته، تزوجته رغم رفض أهله لتلك الزيجة، ولتوهمهما أن الحب يصنع المستحيل وأنه قادر على إزالة كل العوائق، استمرا في زواجهما مدة لا تزيد على 9 أشهر فقط، لم يصنع الحب المعجزات، وللأسف خُدعتْ بشخصية زوجها فسرعان ما ارتمى في أحضان أهله الذين نجحوا في السيطرة عليه، وجعله يعاملها بقسوة ويهينها، تغيرت شخصيته وأسلوبه فى التعامل معها 180 درجة، وتوالت المشكلات، فوجدا نفسيهما في طريق مسدود، وكان الحل الوحيد هو الطلاق. لاحقاً تطوعت الزوجة المطلقة التي انطفأت شمعتها مبكراً في إحدى الجمعيات النسوية للدفاع عن حقوق بنات حواء ممن كن ضحايا للطلاق المبكر، وفي هذا الإطار تعمل على توعية المقبلات على الزواج بضرورة الحيطة والحذر ودراسة شخصية الزوج جيداً قبل الإقدام على عقد القران، حتى يحظين بحياة سعيدة خالية من المنغصات. فوبيا الأسرة العربية وجدنا حالات كثيرة تثير الغرابة والدهشة، بل الأسى والشفقة على أجيال من الفتيات والشبان كانوا ضحاياه، فبعض الزيجات لم تستغرق شهراً أو شهرين فقط، ونتائج الدرسات تشير إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الطلاق المبكر بين حالات الطلاق في الوطن العربي، وهذا ما يوضح حجم الكارثة، حتى صار الطلاق المبكر يشبه حالة الفوبيا التي تصيب الأسرة العربية. (د.مراد قدري)، استشاري العلاقات الأسرية، يقول: «من أهم الأسباب لحدوث الطلاق المبكر وعدم استمرار الزواج لأكثر من 5 أعوام: الفشل الجنسي والمكابرة وعدم الرغبة في علاج ذلك، والزواج القسري وإجبار بعض الأسر على تزويج فتياتهم صغيرات، وكذلك تدني الحالة الاقتصادية وانتشار البطالة وصعوبة المعيشة، إلى جانب غياب الأخلاق وانتشار الإدمان، وعدم وجود تربية دينية سليمة»، ويضيف (قدري) أن «إحدى الدراسات المصرية التي أُجريت مؤخراً تشير إلى وقوع حالة طلاق كل 6 دقائق في مصر طبقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إذ يوجد 12 ألف حالة طلاق قبل انتهاء السنة الأولى من الزواج وتتراجع النسب في السنوات الأخرى، وذلك في مقابل 641 ألف زيجة سنوياً». العلاج مزدوج! (د.هاجر معروف)، أستاذ علم الاجتماع وباحثة بأحد مراكز البحوث والدراسات، تلخص لنا أهم أسباب الطلاق المبكر، فتقول: «في البداية يكون التسرع والسطحية فى الاختيار وعدم دراسة الشخصيات جيداً قبل الإقدام على الارتباط، خاصةً مع عدم وجود نضوج فكري وثقافي لدى الشريكين، أو وجود فروق اجتماعية أو ثقافية أو وجود إساءة متبادلة أو إهانة وعدم احترام، مع عدم قدرة الزوجين على تحمل المسؤولية وأعباء الحياة الزوجية، وفي بعض الأحيان يعود السبب إلى عدم شعور الرجل بالإشباع الجنسي أو العاطفي، أو حتى عدم قدرة الرجل على إشباع احتياجات زوجته العاطفية، كل ذلك في ظل غياب للثقافة الجنسية أو ضعفها عند كليهما، كل هذه الأمور تدفع إلى النفور وعدم القدرة على الاستمرار، فيكون الطلاق المبكر هو الملجأ الأخير». وعن الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة تضيف (معروف): «لا يمكننا مناقشة أي حلول إلا بعد اعتراف الشريكين بوجود مشكلة يجب حلها، وأن يكون لدى كل منهما الاستعداد الكامل للتوصل إلى حل معقول يقبلان به معاً، فالأمر يحتاج أيضاً إلى زيادة الوعي والثقافة للمقبلين على الزواج، والحلول بسيطة لكنها للأسف مفقودة». الشيخ نصر الرفاعي من علماء الأزهر الشريف يقول: «للأسف.. لقد أساء البعض استخدام الطلاق، ولكن الذي تدل عليه النصوص ومقاصد الشريعة السمحة في بناء الأسرة والمحافظة عليها هو التضييق في إيقاع الطلاق، فلا يقع إلا بلفظ معين وفي وقت معين، وبنية معينة، أما سوء الفهم أو سوء التنفيذ لأحكام الإسلام فهو مسؤولية المسلمين وليست مسؤولية الإسلام، وقد قال النبي الكريم (صلى الله عليه الصلاة والسلام): «لا يَفْرُك مؤمن مؤمنة إن كِرَهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر».