منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) “الاستثمار في التعليم مطلوب بشكل عاجل ومن دونه قد يخسر العراق جيلا كاملا”. وأضافت أن “وجود أطفال من أعراق وديانات مختلفة في فصل واحد سيدعم مجتمعا متماسكا وسيجعل الأطفال يفكرون بشكل مختلف”. وحذر رئيس قسم الإعلام والشراكة الاستراتيجية في فرع يونيسف بالعراق جيفري بيتس من أنه في “حال لم يحصل الأطفال على التعليم والصحة والحماية فإنهم قد يصبحون وهم بالغين عرضة بشكل أكثر للانضمام إلى مسلسل العنف”. وأضاف بيتس أن “المعاناة النفسية والبدنية للأطفال في مناطق النزاعات ستحرمهم في المستقبل من أن يكونوا بالغين منتجين وأصحاء”. وحتى في الشطر الشرقي من الموصل شرقي نهر دجلة والذي استردته القوات العراقية وأعيد فيه فتح 320 مدرسة من بين 400 مدرسة، يعمل العشرات من الأطفال في جمع القمامة وبيع الخضر أو يعملون في ورش لإصلاح السيارات. وقال فلاح البالغ من العمر 12 عاما وهو يقف بجوار عربة يد يبيع الخضر “لم أذهب إلى المدرسة لأن تنظيم داعش جاء وكان سيعلم الأولاد القتال ويرسلهم إلى الحرب”.حقوق مسلوبة منهاج داعش انتظم حذيفة في المدرسة لتحصيل العلم حتى السنة الخامسة، لكنه توقف عندما وصل رجال داعش. وقال ابن الثانية عشرة الذي يبيع المعادن الخردة “إن المتشددين كانوا يعلمون التلاميذ الحساب باستخدام الرصاص والبنادق والقنابل”. وقال “كانوا يعلمونا ‘رصاصة زائد رصاصة’ وكيف نضرب بالسلاح”، مضيفا “علمونا كيف نقطع رأس شخص، وكنا نتدرب على دمية ترتدي زي الجيش العراقي”. ويقول أحد الطلاب “احتوى كتاب الرياضيات على صورة لشاحنة مفخخة يقف عليها أحد عناصر داعش”. وحرم عدد كبير من الأطفال من المدارس لأكثر من عامين، وبعضهم أجبر على الانضمام إلى معسكرات “فتيان الخلافة” التابعة للتنظيم الإرهابي. وقال غسان أحمد عن عودة الأطفال إلى المدارس “إننا نضمن حق أطفالنا في الحصول على التعليم”. وكان هذا الأستاذ في جامعة الموصل رفض أن يتلقى أولاده دروسا يعطيها الإرهابيون. وأضاف “تركتهم في البيت وبدأت تعليمهم بنفسي المواد الرسمية للحكومة العراقية”. وتقدر إدارة التعليم المحلية في محافظة نينوى التي تمثل الموصل عاصمتها أن عشرة في المئة من الأطفال في شرق الموصل ما زالوا خارج المدارس. وقالت الإدارة إنه لم يحدث إحصاء رسمي منذ ما يقرب من أربع سنوات. وقال متحدث باسم وزارة التربية والتعليم إنه لا توجد إحصاءات رسمية لمعدل التسرب من المدارس وخاصة لأن الكثير من الأسر رحلت عن الموصل أو حتى غادرت العراق إلى الخارج. وقال إبراهيم السبتي “نعول على مؤتمرات الآباء والمدرسين وعلى المسؤولين المحليين في إقناع الآباء بإعادة أطفالهم إلى المدارس”. ويقول نواب ومنظمات أهلية استنادا إلى نتائج تحقيقات أجريت عامي 2014 و2016 إن الأموال الحكومية المخصصة للتعليم عادة ما تستنفد بسبب الفساد وسوء الإدارة.المدرسة بوابة الحياة وكانت نسبة التعليم مرتفعة في العراق الغني بالنفط، وخلال فترة الثمانينات بلغت نسبة التعليم في المرحلة الابتدائية 100 في المئة. ثم انتشرت الأمية بعد فرض العقوبات الدولية بسبب احتلال العراق للكويت، وازدادت المصاعب الاقتصادية بفعل الحرب الأهلية التي تفجرت في أعقاب الاجتياح الأميركي للعراق والإطاحة بصدام حسين عام 2003. مستقبل ضائع بدأت المدارس تعيد فتح أبوابها في الشطر الشرقي من الموصل في يناير وحتى الآن عاد إلى الدراسة حوالي 350 ألف تلميذ بالمقارنة مع 183229 تلميذا في عام 2013. ويرجع جانب كبير من الزيادة إلى النازحين من غرب الموصل والقرى الواقعة في محيطها. وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن حوالي 1.2 مليون طفل عراقي لا يذهبون إلى المدارس على مستوى البلاد. وقالت منظمة العفو الدولية إن الأطفال الذين علقوا جراء احتلال تنظيم داعش لمدينة الموصل ومعركة تحرير تلك المدينة، يحتاجون إلى المساعدة للتعافي من اضطرابات نفسية مستديمة، فضلا عن الإصابات الجسدية المروعة. ويشعر الأطفال بالندوب النفسية والصدمة العميقة التي لحقت بهم جراء العنف المفرط الذي تعرضوا له وشاهدوه، فمن بين الآلاف من الأطفال الذين تعرضوا للعنف المفرط المتواصل، لم يحظ سوى قسط ضئيل منهم بالرعاية والدعم النفسيين اللذين يحتاجون إليهما بصورة ماسة. أحلام الفتيات في الوقت الذي يتسرب فيه الأطفال من المدرسة، ترغب الفتيات في العودة إليها بعد انقطاع دام سنوات. وتحرص التلميذة العراقية منار محمود على استئناف دراستها بعد سنوات تحت حكم تنظيم داعش في الموصل. وعادت منار التي تبلغ من العمر 13 عاما بالفعل إلى مدرستها القديمة في الجزء الشرقي من المدينة الذي استعادت القوات العراقية السيطرة عليه من التنظيم المتشدد في يناير. مسؤولية مبكرة ومع وصول أول الكتب الدراسية الجديدة، سارع المعلمون إلى استئناف الدراسة. وأمام الفتيات سنوات يحتجن إلى تعويضها ومعظمهن توقفن عن ارتياد المدرسة بعد أن اجتاح المتشددون الموصل منذ سنة 2014. وقالت منار التي وقفت مع مجموعة من زميلاتها قبل موعد الدراسة في فناء المدرسة “نريد أن نتعلم، لا نريد أن نكون جاهلات”. وأضافت منار التي ارتدت الزي المدرسي وحجابا باللون الأبيض “كانوا أشرارا. كانوا يدرسون لنا أمورا عن الجهاد وكيفية القتال”. واستطردت قائلة “أسرنا منعتنا من الحضور إلى المدرسة”. ويمثل تفاوت مستوى معرفة الفتيات المسجلات بالمدرسة أكبر تحد للعملية التعليمية التي تعود من جديد بعد أن فات على الطالبات ثلاث سنوات من التعليم تقريبا. وقالت مديرة المدرسة “علينا أن نضع فتيات في أعمار مختلفة، وعلى درجة مختلفة من العلم في فصل واحد، وهو ما يسبب مشكلات كثيرة”. وأضافت “نطلب المزيد من التوجيه من وزارة التعليم، لكن لم يزرنا مسؤول واحد بعد”. وقالت معلمة تدعى أم محمد وهي تقف أمام فصلها المكتظ “لا توجد مياه للشرب ولا كهرباء بالمدرسة”. وأضافت “سنحاول مساعدة التلاميذ على نسيان المعاناة التي مروا بها”. وقال المعلم شاكر “كنا نعمل في ظل داعش بسبب الخوف، لكننا نعمل الآن لأنّنا نحلم بمستقبل أفضل”. ويجهل شاكر كيف يمكن البدء في تغيير ثقافة الأطفال، الذين باتوا يمارسون لعبة الشرطة وداعش في الفسحة، ويتخيلون أنّهم يقتلون بعضهم بعضا. ويعتقد شاكر أنّ الأطفال الصغار مثل العجين، إذ يمكنك تشكيلهم كيفما شئت، لكنهم ينسون بسرعة. ويتحاشى المعلمون التحدث إلى الطلاب بشأن داعش، لأنّ الكثير منهم كانوا موالين للتنظيم. ومازال المعلمون يشعرون بالخوف حتى بعد تحرر منطقتهم.