تضج دنيا الشعر والرواية في هذه الأيام بالقصائد والمؤلفات التي يكتبها المغتربون يعبرون فيها عن حنينهم لوطنهم الأصلي وأنينهم على مصيره الحالي. يرد في المقدمة الجواهري الذي أصدر ديوانا كاملا بعنوان بريد الغربة. ويعتز العراقيون ويتغنون بقصيدته الرائعة «دجلة الخير»: حييت سفحك من بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين يا دجلة الخير يا نبعا أفارقه على الكراهة بين الحين والحين إني وردت عيون الماء صافية نبعا فنبعا فما كانت لترويني وهو ما يذكرنا بالمعري حين يتذكر بغداد: وردنا ماء دجلة خير ماء وزرنا أكرم الشجر النخيلا الحنين للديار قديم قدم الشعر الجاهلي الذي أورد نتفا من هذا التعلق بها: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن إنا لاحقان بقيصرا هذا ما قاله امرؤ القيس، بيد أن شاعرا آخر رحل من بغداد، ابن زريق البغدادي إلى الأندلس في عصر الدولة العباسية، ووقع ضحية لهموم الاغتراب عبر عنها في قصيدة خالدة: لا تعذليه فإن العذل يوجعه قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه يكفيه من لوعة التشتيت أن له من النوى كل يوم ما يروعه أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وأني لا أودعه اجتاح هذا الحنين شعراء العرب في المهجر (العالم الجديد) لكنه أخذ طابعا وطنيا وقوميا. كان منهم الشاعر القروي، رشيد سليم الخوري، الذي غمرته مشاعر القومية العربية في غربته فقال: شمس العروبة عيل صبري المجتلي شقي حجابك قبل شق الرمس لي! ولاحظ أن بعض أهل الشام قد تعلقوا بالانتداب الفرنسي الذي انتهى خلال الحرب العالمية الثانية. فتصدى لهم ورحب بانتهاء الاحتلال قائلا: فرنسا زال ظل الموت عنا ببعدك وانطوى العلم البغيض ولكن حبك الموروث داء عيون شيوخنا منه تفيض غزا لديارنا والدور تزجى لربته النوافل والفروض كان قد نظر إلى عملاء الاستعمار كسمكة كبيرة تعيش على التهام الأسماك الصغيرة من بني قومه فصور ذلك في هذين البيتين: غربية خبرت أساليب الأذى دهرا ولكن في الأذى لم ترفق لم تؤذ إلا جنسها فكأنها عربية رضعت حليب تفرق