لطالما استوقفتني لغة الترهيب التي يستخدمها الكثيرون للدعوة إلى الله، وإلى التوبة!!. ولطالما افتقدت لغة الترغيب في حديث الكثيرين الذين يظنون أن السير إلى الله لا يتحقق إلاّ بضرب السياط والتذكير بالنار والعذاب والسعير. لا أدري لماذا لا يطير العباد إلى ربهم بأجنحة من الشوق والرغبة بدل أن يساقوا بسياط الرهبة والتخويف ولغة الويل والثبور؟ هذه اللغة التي ولّدت لدى البعض الشعور البارد، فلم يعد يخيفهم شيء، ولم يعد يزجرهم شيء. كما ولّدت لدى البعض الآخر الشعور النافر. فلم تزدهم إلاّ إعراضا ونفوراً!!. لماذا لا نذكّر بعضنا البعض بالله إلاّ بالنار والسعير ونغفل أن نذكّر بعضنا البعض بأننا إذا ما اتجهنا إلى الله قصداً وانطلقنا إليه ركضا لا تؤذينا كثرة الخطايا مع جميل عفوه وعظمة رحمته؟ لماذا لا نحفظ سوى آيات العذاب ووصفه وأنواعه وأشكاله وننسى قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ). لماذا لا نجعل نداءنا لمن عصى وأسرف وطغى وانجرف مع تيار الخطايا كنداء الله حين يقول في الحديث القدسي: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).. فمثل هذا النداء يُحيي الأمل في العزيمة المخدّرة وتنهض القلوب الغافية، وتجعلها تخطو نحو ربها وهي خجلى تتلمسّ طريقها يدفعها رجاء وحب. علّمونا أن الله يُعبد محبةً وخوفاً ورجاءً. وأن العبادة الحقة تتكوّن من تلك العبادات الثلاثة. فلا يجوز أن نعبد الله حباً ونهمل الخوف والرجاء كما لا يجوز أن نعبده رجاءً ونهمل الحب والخوف.. فكيف غرسوا في النفوس عبادته خوفاً وأهملوا الحب والرجاء؟ حينما يحب العبد ربه يرجو رحمته ورضوانه وبالتالي سيخشى عقابه ويخاف غضبه.. لكنه لو بدأ عبادته بالخوف لتملكّه اليأس ولملأ قلبه نفوراً. إنّ الجهل بالله وبعظمة دينه وسموّ مقاصده وأهدافه هو السبب -في نظري- في اتخاذ البعض منهج الترهيب للتذكير بالله والدعوة إليه. إن الله جل وعلا لا يريد للناس إلاّ حياة العزّة والكرامة والسير والسماحة والتمتع بالحق والقسط والتمكين. فإذا ما أبى الناس وساروا في الطريق الخطأ، وزاغت بهم الأهواء، وضلّت بهم السبل، فإن واجب منادي الإيمان أن يهتف بهم أن عودوا إلى ربكم، واستجيبوا إلى الحق. وواجبه أن يذكّرهم بأن الله يفرح بتوبة عبده ويتلقاها بترحاب غامر وهو الغني عنه جل وعلا. فإذا ما عرف العبد كيف يستقبله ربه. وهو عائد منتصر على نفسه وعلى أهوائه وضعفه أمام المعصية لحث الخطى ولاطمأنت نفسه.. فلنتأمل قول الله جلّ وعلا في كتابه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّه) الفرار هو الانطلاق بكّل ما أوتي الفار من قوّة طلباً للنجاة. وهنا جاء الأمر بالفرار من عقاب الله إلى رحمته.. أي نداء للفرار والهرب أجمل من هذا؟ إن الذين جعلوا الترهيب منهجهم للدعوة إلى الله وللتذكير بالعودة إليه جل وعلا، أين هم من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة؟ ذلك المنهج الذي يستخدم في كثير من الأوقات أسلوب الإثارة والتشويق مثلما فعل مع سيّدنا معاذ رضي الله عنه فقال: (ألا أدلك على أبواب الخير ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر؟. وقوله: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟). وقوله صلّى الله عليه وسلّم في موضع آخر: آلا أعلّمكم شيئاً تدركون به من سبقكم؟. إنّ أهل الباطل يتفنّنون في جذب القلوب والعقول إلى باطلهم. فلماذا يهمل من يدعو إلى الله انتقاء أسلوبه وطريقته وعباراته وفنونه؟.. لماذا يدعو البعض إلى الله وكأنه هو التقي والآخر شقي؟ وهو المطيع المنزّه والآخر العاصي المذنب؟ وهو العالم الحذق والآخر الجاهل!!.. لماذا لا يتقن البعض سوى لغة التكفير والتفسيق والتضليل والتبديع؟ يقول الله جلّ شأنه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). شَرط جل وعلا الموعظة أن تكون حسنة وأوصى رسوله موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون الذي طغى فيدعوانه بالقول اللين: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً)!! سبحان الله. أمر موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً لينا. وهو من قال أنا ربكم الأعلى!! أين أصحاب الترهيب والتخويف من المنهج الإلهي في الدعوة ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم!! alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (46) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain