رحيل المحارب التونسي الشرس ضد الإسلام السياسي والظلاميةالتزم محمد الطالبي المفكر والمؤرخ التونسي بتوجه أكاديمي تركز على مناهضة الأفكار المتطرفة حول الدين الإسلامي، إذ انتقد بجرأة مسلمات سلوكية. ودافع ببسالة وقوة عن ضرورة اعتماد رؤية مبتكرة للفكر الإسلامي. ورفض الطالبي استغلال القرآن والدين في تحقيق غايات أيديولوجية ظلامية.العرب [نُشر في 2017/05/02، العدد: 10620، ص(4)]رصيد فكري متميز تونس - غيب الموت المفكر والمؤرخ والأكاديمي التونسي محمد الطالبي، الاثنين، عن عمر ناهز 96 عاما وخاض الفقيد معارك فكرية شرسة ضد الظلامية الدينية، كما أثار جدلا واسعا في السنوات الأخيرة بسبب آرائه. ونعت وزارة الثقافة التونسية الطالبي في بيان قالت فيه “يعتبر الفقيد أحد أعمدة الفكر في تونس وهو ينتمي إلى الجيل الذي أسس الجامعة التونسية الحديثة”. وأضاف البيان “ألف الراحل محمد الطالبي، على امتداد ستة عقود، ما يناهز ثلاثين كتابا، ما يترجم مسيرته الأكاديمية ويجسد تراثه الفكري”. وكان الطالبي دعا إلى القراءة من ناقلات القرآن الذي هو مراعاة القصد من الكتاب المقدس وليس الأحكام الصادرة في حقبة ماضية. وقال في ندوة عقدت في يونيو 2015 إنه يتوجب “على قارئ النص القرآني مراعاة القصد من الكتاب المقدس وأهداف الشريعة وليس الأحكام الحرفية الصادرة عنه”، ما سيترك مجالا لقارئ القرآن أن يتدبر ويعمل عقله وينظر في الحياة والكون وأن “يمارس حقه في الفهم والتأويل”. وكانت دعوة الطالبي مقدمة للدخول إلى نقد مسلمّات ومصادرات “سيد قطب مؤسس العنف المقدس في الحركة الإسلامية في القرن العشرين”، حيث أكد أن قطب ارتكب جرما في حق الإسلام، وهو الزج بكلام الله داخل بناء فكري مركب يتغذى من النص لينتج الإرهاب. وأشار حينها إلى أن الأزمة التي سببها سيد قطب على المستوى الفكري تكمن أساسا في “الفصل بين العقيدة والدين”، وفسّر الأمر على أنه تلاعب خطير ومتحايل على مستهلك فكر قطب. دعوة الطالبي إلى مراعاة مقاصد القرآن مقدمة لنقد مسلمات سيد قطب الذي يعتبره زج بكلام الله في بناء فكري ينتج الإرهاب ويفسر الطالبي فكرة سيد قطب على أنها “تجريد تام للإسلام من بعده الروحي والمجتمعي ليصنع منه آلة سياسية ـ دينية مستقلة عن قناعات الناس ومفروضة عليهم”، في إطار ما سماه “دولة دينية.. دولة الظلام”. وكان المفكر الإسلامي الراحل أكد أن نقطة الانطلاق في مشروع الحداثة الفعلي تكمن في تجديد الفكر الديني وأنه على العقول “أن تواجه تراثها وماضيها بصراحة، هناك أخطاء في تاريخنا يجب الكشف عنها والإشارة إليها قبل التوجه إلى الأمام..”. وواجه الطالبي المؤمن المتعمق لأكثر من نصف قرن الأفكار المتطرفة والبالية عن الإسلام داعيا بقوة إلى رؤية مبتكرة للفكر الإسلامي، حيث كان جريئا في تقديم أفكاره ونقد المسلمات. وكان أكد في مقال لصحيفة لوموند الفرنسية عام 2006 أن الشريعة “نتاج بشري” و”لا علاقة لها” بالإسلام، بحسب رؤيته، معللا بأن “الدين ، أي دين، لا يجب أن يكون قيدا وإكراها” مضيفا “لن أمل تكرار القول أن الإسلام يمنحنا الحرية”. وشدد في مقابلة أجراها مؤخرا مع أسبوعية “جون أفريك” على أن “القرآن هو الوحيد الذي يتضمن تلك العبارة البالغة الوضوح والعلمانية: لا إكراه في الدين”. وحرص الطالبي أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1957-1987) على الابتعاد عن السياسة، لكنه عارض نظام زين العابدين بن علي (1987-2011) حيث انضم في 1995 إلى “المجلس الوطني للحريات” المنظمة غير الحكومية الحقوقية. وعارض الطالبي بلا هوادة السلفية التي يصفها بأنها “مناهضة للإسلام”، كما أنه تصدى بقوة “لخطر كراهية الإسلام التي تغذيها” البعض من التيارات المسيحية. وقال في مقابلته مع جون أفريك “هؤلاء يرون أن الرسول محمدا لم يأت إلا بأشياء سيئة ولا إنسانية”. ولد الطالبي في سبتمبر 1921 في العاصمة التونسية وتلقى علومه بالمدرسة الصادقية العريقة في تونس ثم في جامعة السوربون بباريس، وهو مجاز في اللغة العربية ودكتور في مادة التاريخ وكان أحد مؤسسي الجامعة التونسية الحديثة. وكان أول عميد لكلية الآداب بتونس العام 1955. تولى في ثمانينات القرن الماضي رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية وانضم عام 1995 إلى المجلس الوطني للحريات في تونس. وترأس الطالبي بيت الحكمة بقرطاج (المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون) عام 2011. كان يصف نفسه بأنه “مسلم قرآني” وأسس في 2012 الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين. وكتب الطالبي ثلاثين مؤلفا والمئات من المقالات بالعربية والفرنسية، وحاز عليها العديد من الجوائز. من أبرز مؤلفاته “عيال الله” (1992)، “أمة الوسط” (1996)، “مرافعة من أجل إسلام معاصر” (1998)، “الإسلام: حرية وحوار” (1999)، “كونية القرآن” (2002)، “ليطمئن قلبي” (2010)، “ديني الحريّة” (2011). ونال المفكر الراحل أرفع الأوسمة الثقافيّة والفخرية من دول عديدة بينها تونس وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا والسويد.