من حق الطيبين أن يتفاءلوا وأن ينظروا إلى الأمور بنظرة كلها رضا وحب وقناعة ومن حقهم وحق غيرهم ألا تنغص حياتهم المريحة الهادية بعواصف الأفكار المزعجة والتوقعات المخيفة وما أكثر ما يزعج في هذه الأيام ويخيف، لكن في المقابل من حق القلقين أن يعبروا عما يرونه من حولهم وما يحيط بهم من مشكلات ومعضلات لا تخص الأفراد ولكنها تعم الناس كافة، الرضاء والاطمئنان وسيلة راحة مطلوبة يحتاجها المرء ليعيش حياته بلا منغصات ولكن القلق هو أيضاً وسيلة مشروعة للبحث عن مستقبل مستقر وآمن. والأحوال والظروف هي التي تحدد درجات القلق أو الاطمئنان عند الناس؛ ولهذا يكون الأمر غير مرتبط في الشخص القلق ولا ذلك الراضي المطمئن ولكنها الأحوال التي تحدد متى نقلق ولماذا القلق وهل قلق القلقين مشروع أو متوهم هذا هو الفارق بين الحالين. إن من ينظر إلى واقع العالم العربي من حولنا يحس بكثير من الخوف على المستقبل للوطن كله مهما حاول البعض من تقليل الأخطار ولاسيما في منطقة الخليج التي تتمتع باستقرار نسبي مقارنة بما يحدث للدول العربية التي تحيط بالخليج، لا يمكن أن تكون دول الخليج بمنأى عما يحيط بها من مشكلات الدول المجاورة التي بلغت حداً بعيداً بالتفكك والفوضى والحروب الطاحنة على كل المستويات حروب طائفية مقيتة وحروب قبلية في كل ناحية وحروب إقليمية متطاحنة لم يعد هناك دولة تفرض سيادتها وأمنها على أرضها وسكانها، فقد حول الربيع العربي أغلب الدول التي أمطر عليها سحابه إلى فوضى عارمة في كل شيء، ونحن نرى ما يحدث فيها ونضع أيدينا على قلوبنا خوفاً وقلقاً عليهم وعلى مصير هذه الشعوب المنكوبة على أيدي بعض أبنائها قبل أعدائها. في هذه الظروف هل من حقنا نحن في الجزيرة والخليج أن نشعر بشيء غير قليل من القلق؛ لأن هذا المحيط الهائج بالفتن والفوضى والاضطرابات يحيط بنا ويمتد على حدودنا ويؤثر في أمننا واستقرار منطقتنا ولا يمكن إلا أن نبحث عن سبيل يجنبنا ما وصل إليه حال من حولنا وننظر في الأسباب التي ذهبت بهم جميعاً إلى ما ذهبوا إليه ونعمل على تجنبها، وما ذلك إلا بالقضاء على عوامل الفرقة والشحناء والتنازع والاختلاف مهما كان مصدره ومهما كان مبرره؛ هذه الشحناء التي تغذى في الوسط الاجتماعي بوسائل لا تبررها ولا تقبل فيها مثل الاختلاف بالرأي والتصنيف الذي يطلق على هذه الجماعة أو تلك وإثارة النعرات النفعية والمصالح الشخصية وقبل ذلك وبعده أن يشعر الساسة في الخليج أن اللحمة الوطنية والالتفاف حول شعوبهم والعدل فيهم هو السبيل الذي يجنبنا ما أصاب من حولنا.