في المرحلة الأخيرة من السباق الرئاسي في العام الماضي، ظنت هيلاري كلينتون وفريقها أنهم إن لم يكونوا على حق بنسبة مائة في المائة، فإنهم أقرب ما يكونون من هذه النسبة. كانوا محقين في الأسس الموضوعية، وواثقين بالأساليب المتبعة، ومتأكدين من فرصهم المتاحة، وعندما أشار السيد بيل كلينتون على مستشاري زوجته أنهم، باعتبار «البريكست» البريطاني، ربما يقللون من تأثير المد الشعبوي، رد عليه رئيس الحملة الانتخابية للسيدة كلينتون برد مفحم وقاس، إذ قال إن البيانات التي لدينا تتعارض مع الحكايات التي تشغل بالك. إننا نعيش في عالم تنتقل فيه السلطة من خلال البيانات، ولكن السلطة تميل إلى النزوع إلى اليقين، واليقين يولد الغطرسة من دون شك. من روبرت ماكمنارا وحتى ليمان براذرز إلى شعار «أقوياء سويا»، تكثر الحكايات والقصص حول الحرص والحذر. وينبغي علينا أن نعرف ذلك الآن، ولكننا نتجاهل الأمر برمته. بدلا من ذلك، فإننا نتعامل مع حالات عدم اليقين المتأصلة في البيانات من خلال إضافة مزيد من البيانات من دون إعادة النظر في الافتراضات، مما يخلق انطباعا قويا باليقين والثقة، الذي يمكن أن يكون مطمئنا، أو مضللا، أو خطيرا. ولتسألوا السيدة كلينتون. أتوافقونني على ذلك؟ حسنا. دعونا ننتقل إلى التغيرات المناخية. في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نشر مركز «بيو» للأبحاث دراسة حول سياسات التغيرات المناخية. ومن بين النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن نسبة 36 في المائة فقط من الشعب الأميركي يهتمون «كثيرا» بالأمر. وعلى الرغم من جهود العلماء، والسياسيين، والنشطاء التي استمرت قرابة 30 عاما لزيادة الوعي حول القضية، فإن ما يقرب من ثلثي الشعب الأميركي إما أنهم غير مبالين وإما أنهم قلقون لدرجة ما بسبب مشكلة الكون الأولى. ولكن لماذا؟ لقد استقر رأي العلم، والتهديد واضح. أليس هذا هو المثال المعني، على الأقل، بنسبة المائة في المائة من الحقيقة التي تستند إلى أحد أطراف الجدال حول الأمر؟ حسنا، ليس تماما. كما كتب أندرو ريفكين العام الماضي حول حياته المهنية مراسلا لشؤون البيئة في صحيفة «التايمز»: «رأيت فجوة آخذة في الاتساع بين ما كان يتعلمه العلماء حول الاحتباس الحراري، وما كان يزعمه النشطاء حال دفعهم ومحاولاتهم تمرير التشريعات والقوانين المناخية». كان العلم دقيقا بوجه عام. ولم يكن المؤيدون الذين يدعون السلطة العلمية على المستوى نفسه من الدقة. وكل من قرأ التقرير الحكومي الأميركي حول التغيرات المناخية لعام 2014 يعرف ذلك، أنه على الرغم من نسبة الاحترار المتواضعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي (0.85 درجة مئوية، أو نحو 1.5 درجة فهرنهايت) منذ عام 1880، فهي نسبة لا جدال فيها، تماما كما هو التأثير الإنساني على هذا الاحترار الذي لا جدال فيه، والكثير من ذلك مما يمر مرور الكرام بأنه من الحقائق المقبولة، هو في الواقع ليس إلا مسألة احتمالية غير يقينية. ويصح هذا الأمر بصورة خاصة بالنسبة للنماذج والمحاكيات المعقدة وغير المعصومة من الأخطاء التي يحاول العلماء من خلالها التنبؤ بمستقبل المناخ. والقول بذلك لا يعني إنكار العلم، ولكنه يعني الاعتراف به بمنتهى الأمانة. يمكنني الآن الاستماع إلى طقطقة الرؤوس. ولا ينبغي عليهم ذلك، بسبب أن هناك درسا آخر مستفادا في هذا المقام. وهو الدرس الموجه لكل من يرغب في تعزيز قضية سياسات المناخ الجيدة. وكما أشار السيد ريفكين بكل حكمة، إلى أن المبالغة والغلو في قضية المناخ «لم تكن لتناسب العلم في ذلك الوقت فحسب، بل يمكن لها أن ترجع بنتائج عكسية إذا كانت الآمال متعلقة بمشاركة وتفاعل الجماهير المشتتة». دعوني أوجز لكم الأمر بعبارة أخرى. إن الزعم باليقين الكلي حول العلم يقضي على روح العلم ذاته، ويفتح الباب أمام الشكوك الكبيرة كلما أثبتت التغيرات المناخية خطأها في منحى من المناحي. والمطالبة بإحداث التغيرات المفاجئة والباهظة في السياسات العامة تثير تساؤلات منصفة بشأن النيات الآيديولوجية الكامنة وراء هذه المطالب. والتأكيد الانتقادي على التفوق الأخلاقي لدى طرف من الأطراف والتعامل مع المشككين بأنهم من البلهاء الذين يمكن الاستعاضة عنهم لا يكسب أي طرف مزيدا من الأنصار بأي حال. ولا يدعونا شيء مما سبق إلى إنكار حقيقة التغيرات المناخية أو العواقب الوخيمة القاسية المحتملة من ورائها. ولكن لدى المواطنين العاديين الحق في التشكيك في النزعة العلمية المتعجرفة والمغترة بنفسها كثيرا. وهم يعلمون - كما ينبغي على علماء البيئة أن يعلموا - أن التاريخ مفعم بالكوارث البشرية الناجمة عن الخطايا العلمية المرتبطة بالسلطات السياسية.