عادت أعمال الشغب أمس إلى مدينة معان جنوب الأردن بعد إعلان السلطات مساء أول من امس مقتل شاب خلال مطاردات نفذتها قوات الدرك بحثاً عن «مطلوبين». وسيطر التوتر والغضب على المدينة منذ الأحد الماضي إثر إصابة عنصريْن يتبعان الدرك برصاص أطلق عليهم قرب المحكمة الرئيسة هناك. وواصل محتجون في المدينة الصحراوية إضرام النار داخل مبانٍ حكومية وسيارات تابعة للشرطة، ما دفع الحكومة الى إرسال تعزيزات أمنية إلى المنطقة لاستعادة النظام. وقال شهود لـ «الحياة» إن «مئات المحتجين أحرقوا برج الاتصالات ومباني تابعة لمؤسسة الاتصالات وسط المدينة». وقال أحد الشهود إن «مجموعات من الشباب لجأت ايضاً إلى غلق طرق رئيسة وفرعية بالإطارات المطاط المشتعلة والحجارة». وكان لافتاً الوجود الأمني الكثيف في محيط المقار الأمنية وبعض المؤسسات الرسمية، فيما خلت من ذلك معظم شوارع المدينة. وأكد مسؤولون أمنيون تجدد الاضطرابات، واستخدام قنابل الغاز المدمع لتفريق المئات الذين هاجموا ممتلكات حكومية. وأوضحوا أن قوات الدرك اعتقلت عدداً من الأشخاص المتهمين بإثارة الشغب. ولم تعلق الحكومة على الأحداث، لكن مصدراً أمنياً مسؤولاً قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن «بعض الأشخاص في معان عمد على مدى اليومين الماضيين إلى غلق الطرق العامة أمام الدوريات الأمنية أثناء قيامها بواجبها الرسمي». وأوضح أن «قوة أمنية تعاملت معهم من أجل فتح الطريق أمام المارة». وقال إن «بعض الأشخاص بادر مساء الثلثاء إلى إطلاق النار من أسلحة كانت بحوزته باتجاه أفراد من الدرك، ما اضطر القوة الى الرد بالمثل على مصادر تلك النيران». وتزامن التوتر في معان مع حلول ذكرى «هبّة نيسان» التي شهدت احتجاجات شعبية عارمة في نيسان (أبريل) عام 1989 داخل المدينة ذاتها، وقادت إلى إلغاء الأحكام العرفية، وعودة الحياة الديموقراطية في البلاد. وأفاد ناشطون في المدينة بأن الشاب الذي قضى أثناء وجوده صدفة في مكان الاشتباكات، ينتمي إلى التيار السلفي الجهادي، ويدعي قصي الإمامي، ويبلغ من العمر 19 سنة. والإمامي هو ثامن مواطن يقضي في غضون عام خلال اشتباكات لا تكاد تهدأ بين قوات الدرك ومحتجين. وقال الناشط صالح أبو طويلة لـ «الحياة» إن «أعضاء التيار السلفي الجهادي مستنفرون، ويتوجهون إلى منزل الفقيد». وأضاف أن «التيار بدأ يعمل على تعبئة الشباب ويحرضهم ضد الأجهزة الأمنية من خلال الرسائل النصيّة ومواقع التواصل الاجتماعي». وكانت المدينة التي تعاني الفقر والتهميش مسرحاً لاضطرابات مدنية شابتها أعمال عنف خلال السنوات الأخيرة، وينشط بين سكانها منذ فترة طويلة إسلاميون يتبنون فكر تنظيم «القاعدة»، ويحمل العديد منهم اسلحة ويقاومون ضغوطاً لإلقاء السلاح. وقال زعيم السلفيين الجهادين في معان محمد الشلبي الشهير بـ «أبو سياف» إن «قصي الإمامي قتل على يد قوات النظام، والمطلوب أولاً هو إعلان الأشخاص الذين أطلقوا عليه الرصاص». وأضاف لـ «الحياة» أن «هناك استياء كبيراً في اوساط الشباب المنتمين إلى التيار ... ما جرى لن يمر مرور الكرام». ودخلت المدينة في إضراب عام عن العمل منذ صباح أمس، وأغلقت غالبية المقار الحكومية والخاصة أبوابها، إضافة إلى البنوك التجارية ومراكز الاتصالات والمدارس. وكان لافتاً انضمام جامعة الحسين إلى الإضراب، اذ تغيب المدرسون والطلاب عن المحاضرات، كما امتنعت باصات الجامعة ومركباتها عن العمل. وقال موظف في إحدى الدوائر الحكومية إن «العصيان المدني شمل كل القطاعات باستثناء المخابز ... المدينة تحولت إلى مدينة أشباح ... لا يوجد في الشوارع إلا المحتجين وقوات الدرك التي تتمركز عند المؤسسات الرسمية، وتنفذ مطاردات بين الفينة والأخرى». وقال آخر إن «أعمال الكر والفر بين المحتجين والدرك لا تتوقف ... الجو العام متوتر والتصعيد مستمر». وكان رئيس المجلس المحلي في معان ماجد الشراري أعلن الحداد ثلاثة أيام احتجاجاً على مقتل الشاب، واتهم في بيان قوات الأمن بممارسة «إجراءات همجية بربرية ووحشية». كما اتهم وزير الداخلية حسين المجالي وعدداً من القيادات الأمنية بالضلوع في ما سماها «المؤامرة التي تحاك ضد معان». وقال لـ «الحياة» إن «وجهاء معان يطالبون بتشكيل لجنة مشتركة يشرف عليها الملك لبحث التجاوزات التي ارتكبتها الأجهزة الرسمية خلال عام كامل بحق المدينة وأبنائها». وأضاف: «المطلوب في شكل سريع إقالة الحكومة المحلية ووزير الداخلية»، معتبراً أن «التوتر والاحتقان يسيطران على الشارع، ولا أحد يعرف النتائج». وأضاف ان «المؤامرة على معان تستهدف المملكة وقيادتها، وعلى العاهل الأردني (الملك عبدالله الثاني) أن يعيد النظر في البطانة التي حوله». يذكر أن معان معقل قبلي يسكنها نحو 60 ألف شخص، وتقع على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوب عمان، ويُعرف عنها تحديها السلطة المركزية. الأردن